( الصفحة 184 )
الخامس : الأكل تعويلاً على إخبار من أخبر ببقاء الليل مع كون الفجر طالعاً .
السادس : الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سُخرِيَة المخبر .
مسألة 13 : يجوز لمن لم يتيقّن بطلوع الفجر تناول المفطر من دون فحص ، فلو أكل أو شرب والحال هذه ، ولم يتبيّن الطلوع ولا عدمه ، لم يكن عليه شيء . وأمّا مع عدم التيقّن بدخول الليل فلا يجوز له الإفطار ، فلو أفطر والحال هذه يجب عليه القضاء والكفّارة وإن لم يحصل له اليقين ببقاء النهار وبقي على شكّه 1 .
الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على مورد النصّ ، وفي غيره الرجوع إلى القاعدة التي عرفت أنّ مقتضاها البطلان .
1ـ الوجه في وجوب القضاء في الأمر الخامس ـ ما مرّ ـ من أنّه مقتضى القاعدة لفرض كون الفجر طالعاً حين الأكل ، خصوصاً في صورة عدم حصول الاطمئنان الذي يعامل معه معاملة القطع عند العقلاء ; لعدم حجيّة قول الواحد ولو كان عادلاً في الموضوعات الخارجيّة ، كما قرّرناه في كتابنا في القواعد الفقهيّة (1)، كما أنّه هو الوجه في وجوب القضاء في الأمر السادس . وأمّا ما أفاده في المسألة فأمران :
أحدهما : أنّه يجوز تكليفاً لغير المتيقّن بطلوع الفجر ومن بحكمه تناول المفطر من دون فحص ونظر ; لاستصحاب بقاء الليل وعدم طلوع الفجر مع عدم وجوب الفحص في الموضوعات الخارجيّة ، فلو تبيّن بعد ذلك أحد الأمرين فقد تقدّم
- (1) القواعد الفقهيّة : 1 / 494 ـ 498 .
( الصفحة 185 )
السابع : الإفطار تعويلاً على من أخبر بدخول الليل ولم يدخل; إذا كان المخبر ممّن جاز التعويل على إخباره ، كما إذا أخبر عدلان بل عدل واحد ، وإلاّ فالأقوى وجوب الكفّارة أيضاً .
الثامن : الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل منها ولم يدخل; مع عدم وجود علّة في السماء . وأمّا لو كانت فيها علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ ، فلا يجب عليه القضاء 1 .
حكمه ، ومع عدم التبيّن لا يجب عليه شيء ; لعدم إحراز الفوت بوجه .
ثانيهما : أنّه لا يجوز تكليفاً الإفطار مع عدم التيقّن بدخول الليل ; لاستصحاب بقاء النهار وعدم دخول الليل . فلو أفطر والحال هذه ، فإن حصل له اليقين أو ما بحكمه بعدم كون إفطاره قبل الدخول فلا يجب عليه شيء ، وفي غير هذه الصورة يترتّب عليه حكم الإفطار مع العلم بالوقوع في اليوم من وجوب القضاء والكفّارة ; لاقتضاء الاستصحاب ذلك .
1ـ ذكر في الأمر الأوّل من هذين الأمرين أ نّه إذا كان المخبر ممّن جاز شرعاً التعويل على إخباره، كما إذا أخبر عدلان ـ أي البيّنة التي تكون شهادتها وإخبارها حجّة في الموضوعات ـ أو عدل واحد بناءً على مختاره من اعتبار قوله فيها ، خلافاً لما ذكرنا من عدم الاعتبار ; لاستلزامه اللغوية لحجّية البيّنة بعد اتحادهما من جميع الخصوصيّات إلاّ من جهة العدد قلّة وكثرة ، فإذا كان قول العادل الواحد حجّة في الموضوعات ، فجعل الحجّية للأزيد مع عدم دخالة فيه بوجه لا مجال له ، كما لا يخفى .
وكيف كان ، إذا أخبر من يجوز التعويل على إخباره بدخول الليل فأفطر ، ثمّ
( الصفحة 186 )
انكشف الخلاف وأنّه لم يدخل حين الإفطار ، فقد حكم أوّلاً بوجوب القضاءعليه ، وثانياً بوجوب الكفّارة أيضاً ، بل ربما يقال(1) بوجوب الأمرين في صورة عدم الانكشاف أيضاً ، والمحكي عن صاحب المدارك (قدس سره) (2) عدم وجوب القضاء; لقيام الحجّة الشرعيّة على دخول الليل ، ومعه لا وجه للقضاء فضلاً عن الكفّارة .
وأُجيب(3) عنه بأنّ الحكم الشرعي المزبور ظاهريّ مغيّى بعدم انكشاف الخلاف ، والبيّنة لا تغيّر الواقع ولا توجب قلبه ، فهذا الإفطار قد وقع في النهار ، ومثله محكوم بالبطلان ، غاية الأمر أنّه معذور في الإفطار في النهار غير معاقب عليه لأجل الاتّكال على مثل البيّنة .
وأنت خبير بأنّه لو كان الحكم الظاهري المزبور مغيّى من أوّل الأمر لكان اللازم عدم جواز الإفطار أيضاً ; لعدم إحراز وجود الغاية وعدمها ، فاللازم الالتزام بعدم كونه مغيّى ، ولازمه عدم وجوب القضاء فضلاً عن الكفّارة ، وقد حقّقنا هذا المطلب في بحث الاُصول(4) .
وأمّا الأمر الثاني : أي الإفطار لظلمة قطع بدخول الليل معها ، فقد فصّل فيه في المتن بين ما إذا لم تكن علّة في السماء فيجب القضاء ، وبين ما إذا كانت في السماء علّة فظنّ دخول الليل فأفطر ثمّ بان له الخطأ ; فإنّه لا يجب عليه القضاء .
وفيه خلاف بينهم (5)، كما أنّه قد وقع الاختلاف في التعبيرات أيضاً (6)، بل في
- (1) القائل هو السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند في شرح العروة 21 : 426 .
(2) مدارك الأحكام 6 : 94 .
(3) المجيب بعض الأعلام (رحمه الله) في المستند في شرح العروة 21 : 424 .
(4) سيرى كامل در اصول فقه شيعة 14 : 311 ـ 325 .
(5) الحدائق الناضرة 13 : 105 ـ 106، جواهر الكلام 16 : 283 ، المستند في شرح العروة 21 : 425 .
(6) شرائع الإسلام 1 : 173 .
( الصفحة 187 )
المتن مع ذكر عنوان القطع في موضوع المسألة ذكر عنوان الظنّ في أحد فرضيها ،والروايات الواردة فيه مختلفة :
فطائفة تدلّ على عدم وجوب القضاء ، مثل :
صحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صلّيت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكفّ عن الطعام إن كنت قد أصبت منه شيئاً(1) . والظاهر أنّ موردها ما إذا كان المنشأ لعدم الرؤية قبل ذلك وجود علّة في السماء من غيم ونحوه .
ورواية أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر ، ثمّ إنّ السحاب إنجلى فإذا الشمس لم تغب؟ فقال : قد تمّ صومه ولا يقضيه(2). وغير ذلك من الروايات الدالّة على هذا المعنى.
وبإزاء هذه الطائفة موثّقة أبي بصير وسماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل فأفطر بعضهم ، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس ، فقال : على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله ـ عزّوجلّ ـ يقول: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ)(3) فمن أكل قبل أن
- (1) الكافي 3 : 279 ح 5 ، الفقيه 2 : 75 ح 327 ، تهذيب الأحكام 4 : 271 ح 818 ، الاستبصار 2 : 115 ح 376 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 122 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 270 ح 816 ، الاستبصار 2 : 115 ح 374 ، الفقيه 2 : 75 ح 326 ، وعنها وسائل الشيعة 10 : 123 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 3 .
(3) سورة البقرة 2 : 187 .
( الصفحة 188 )
التاسع : إدخال الماء في الفم للتبرّد بمضمضة أو غيرها فسبقه ودخل الحلق . وكذا لو أدخله عبثاً . وأمّا لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه . وكذا لو تمضمض لوضوء الصلاة فسبقه الماء فلا يجب عليه القضاء . والأحوط الاقتصار على ما إذا كان الوضوء لصلاة فريضة وإن كان عدمه لمطلق الوضوء ـ بل لمطلق الطهارة ـ لا يخلو من قُوّة 1 .
يدخل الليل فعليه قضاوه ; لأنّه أكل متعمّداً(1) .
والمناقشة في الطائفة المتقدّمة سنداً أو دلالة واضحة المنع، كما في محكي الجواهر (2) ، والجمع من حيث الدلالة غير ممكن ، فاللازم الرجوع إلى المرجّحات ، والثابت منها هو مخالفة العامّة المتحقّقة بالإضافة إلى الطائفة الدالّة على عدم وجوب القضاء ، غاية الأمر في خصوص موردها ; وهو ما إذا كان في السماء غيم وإن لم يكن هناك قطع بدخول الغروب ، بل كان مجرّد الظنّ لحجّيّته بالإضافة إلى المغرب في الصورة المذكورة . ولعلّه هو الوجه في التعبير به في هذه الصورة وإن كان شروع الأمر معنوناً بعنوان القطع ، كما عرفت .
1ـ قد وردت في هذا المقام روايات ، والعمدة منها روايتان :
إحداهما : رواية عمّار الساباطي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم ؟ قال : ليس عليه شيء إذا لم يتعمّد ذلك . قلت : فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء ؟ قال : ليس عليه شيء .
- (1) الكافي 4 : 100 ح 1 و 2 ، تهذيب الأحكام 4 : 270 ح 815 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 121 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1 .
(2) جواهر الكلام 16 : 285 .