جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احكام و فتاوا
دروس
معرفى و اخبار دفاتر
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
اخبار
مناسبتها
صفحه ويژه
تفسير مجمع البيان ـ ج4 « قرآن، حديث، دعا « صفحه اصلى  

<<        الفهرس        >>



مجمع البيان ج : 4 ص : 647
المكذبين ب آيات الله تعالى « لهم » أي لهؤلاء « من جهنم مهاد » أي فراش و مضجع « و من فوقهم غواش » مثل قوله لهم من فوقهم ظلل من النار و قيل المراد به لحف و المعنى أن النار محيطة بهم من أعلاهم و أسفلهم « و كذلك نجزي الظالمين » قال ابن عباس يريد الذين أشركوا به و اتخذوا من دونه إلها .
وَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصلِحَتِ لا نُكلِّف نَفْساً إِلا وُسعَهَا أُولَئك أَصحَب الجَْنَّةِ هُمْ فِيهَا خَلِدُونَ(42) وَ نَزَعْنَا مَا فى صدُورِهِم مِّنْ غِلّ تجْرِى مِن تحْتهِمُ الأَنهَرُ وَ قَالُوا الحَْمْدُ للَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَذَا وَ مَا كُنَّا لِنهْتَدِى لَوْ لا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَت رُسلُ رَبِّنَا بِالحَْقِّ وَ نُودُوا أَن تِلْكُمُ الجَْنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(43)

القراءة

قرأ ابن عامر ما كنا لنهتدي بغير واو و كذلك في مصاحف أهل الشام و الباقون مع الواو و قرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائي أورثموها مدغمة و كذلك في الزخرف و قرأ الباقون « أورثتموها » غير مدغمة .

الحجة

قال أبو علي وجه الاستغناء عن حرف العطف أن الجملة ملتبسة بما قبلها فأغني التباسها به عن حرف العطف و قد تقدم ذكر أمثاله و من ترك الإدغام في « أورثتموها » فلتباين المخرجين و كان الحرفين في حكم الانفصال و إن كانا من كلمة واحدة أ لا ترى أنهم لم يدغموا و لو شاء الله ما اقتتلوا و إن كانا مثلين لما لم يكونا لازمين أ لا ترى أن تاء افتعل قد يقع بعدها غير التاء فكذلك أورث قد يقع بعد الثاء منها غير الثاء فلا يجب الإدغام و وجه الإدغام أن الثاء و التاء مهموستان متقاربتان فاستحسن الإدغام لذلك .

اللغة

الغل الحقد الذي ينغل بلطفه إلى صميم القلب و منه الغلول و هو الوصول بالحيلة إلى دقيق الخيانة و منه الغل الذي يجمع اليدين و العنق بانغلاله فيهما و الصدر ما
مجمع البيان ج : 4 ص : 648
يصدر من جهته التدبير و الرأي و منه قيل للرئيس صدر و الجريان انحدار المائع فالماء يجري و الدم يجري و كل ما يصح أن يجري فهو مائع و النهر الواسع من مجاري الماء و منه النهار لاتساع ضيائه و النداء الدعاء بطريقة يا فلان .

الإعراب

« لا نكلف نفسا إلا وسعها » جملة في موضع رفع بأنه خبر « الذين آمنوا » و حذف العائد إلى المبتدأ فكأنه قيل منهم لا من غيرهم نحو قولهم السمن منوان بدرهم أي منوان منه و يجوز أن يكون اعتراضا ما بين المبتدأ و الخبر و يكون الخبر الجملة التي هي « أولئك أصحاب الجنة » و إذا كان اعتراضا فلا موضع له من الإعراب و « أن تلكم الجنة » يجوز أن يكون أن بمعنى أي لتفسير النداء فيكون المعنى نودوا على وجه التهنئة بكلام هذا معناه و يجوز أن يكون مخففة من الثقيلة و الهاء مضمرة و التقدير بأنه تلكم الجنة قال الشاعر :
أكاشره و أعلم أن كلانا
على ما ساء صاحبه حريص .

المعنى

لما تقدم وعيد الكفار بالخلود في النيران أتبع ذلك بالوعد للمؤمنين بالخلود في الجنان فقال « و الذين آمنوا » أي صدقوا ب آيات الله و اعترفوا بها و لم يستكبروا عنها « و عملوا الصالحات » أي ما أوجبه الله عليهم أو ندبهم إليه « لا نكلف نفسا إلا وسعها » التكليف من الله سبحانه هو إرادة ما فيه المشقة من الكلفة التي هي المشقة أي لا نلزم نفسا إلا قدر طاقتها و ما دونها لأن الوسع دون الطاقة و وجه اتصاله بما قبله بين إذا جعلته خبرا لأن معناه لا نكلف أحدا منهم من الطاعات إلا ما يقدر عليه و إذا كان اعتراضا بين الكلامين فكأنه لما وعد المؤمنين بالجنان و الكافرين بالنيران بين أنه لا يكلف أحدا منهم إلا ما في وسعه و أن من استحق النار فمن نفسه أتي « أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون » مقيمون « و نزعنا ما في صدورهم من غل » أي و أخرجنا ما في قلوبهم من حقد و حسد و عداوة في الجنة حتى لا يحسد بعضهم بعضا و إن رآه أرفع درجة منه « تجري من تحتهم الأنهار » قيل أنه في موضع الحال أي يجري ماء الأنهار من تحت أبنيتهم و أشجارهم في حال نزعنا الغل من صدورهم و قيل هو استئناف « و قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا » أي هدانا للعمل الذي استوجبنا به هذا الثواب بأن دلنا عليه و عرضنا له بتكليفه إيانا و قيل معناه هدانا لثبوت الإيمان في قلوبنا و قيل لنزع الغل من صدورنا و قيل هدانا لمجاوزة الصراط و دخول الجنة « و ما كنا
مجمع البيان ج : 4 ص : 649
لنهتدي » لما يصيرنا إلى هذا النعيم المقيم و الثواب العظيم « لو لا أن هدانا الله » هذا اعتراف من أهل الجنة بنعمة الله سبحانه إليهم و منته عليهم في دخول الجنة على سبيل الشكر و التلذذ بذلك لأنه لا تكليف هناك « لقد جاءت رسل ربنا بالحق » و هذا إقرار منهم بأن ما جاءت به الرسل إليهم من جهة الله تعالى فهو حق لا شبهة في صحته « و نودوا » أي و يناديهم مناد من جهة الله تعالى و يجوز أن يكون ذلك خطابا منه سبحانه لهم « أن تلكم الجنة » أي هذه الجنة و إنما قال تلكم لأنهم وعدوا بها في الدنيا فكأنه قيل لهم هذه تلكم التي وعدتم بها و يجوز أن يكونوا عاينوها فيقال لهم قبل أن يدخلوها إشارة إليها تكلم الجنة « أورثتموها » أي أعطيتموها إرثا و صارت إليكم كما يصير الميراث لأهله و قيل معناه جعلها الله سبحانه بدلا لكم كما كان أعده للكفار لو آمنوا و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال ما من أحد إلا و له منزل في الجنة و منزل في النار فأما الكافر فيرث المؤمن منزله من النار و المؤمن يرث الكافر منزله من الجنة فذلك قوله « أورثتموها » « بما كنتم تعملون » أي توحدون الله و تقومون بفرائضه .
وَ نَادَى أَصحَب الجَْنَّةِ أَصحَب النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُ بَيْنهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلى الظلِمِينَ(44) الَّذِينَ يَصدُّونَ عَن سبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونهَا عِوَجاً وَ هُم بِالاَخِرَةِ كَفِرُونَ(45)

القراءة

قال الكسائي وحده نعم بكسر العين كل القرآن و الباقون بالفتح و قرأ أهل المدينة و البصرة « أن » مخففة « لعنة الله » بالرفع و الباقون أن مشددة لعنة الله بالنصب .

الحجة

قال الأخفش نعم و نعم لغتان فالكسر لغة كنانة و هذيل و الفتح لغة باقي العرب و أن التي تقع بعد العلم إنما هي المشددة و المخففة عنها و « أذن مؤذن » معناه أعلم معلم
مجمع البيان ج : 4 ص : 650
« أن لعنة الله » و من خفف أن فعلى إرادة إضمار القصة و الحديث و تقديره أنه لعنة الله و مثله آخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين التقدير أنه و لا تخفف أن هذه إلا و إضمار القصة و الحديث يراد معها و المكسورة إذا خففت لا يكون كذلك و الفصل بينهما أن المفتوحة موصولة و الموصولة تقتضي صلتها فصارت لاقتضائها أشد اتصالا بما بعدها من المكسورة فقدر بعدها الضمير الذي هو من جملة صلتها و ليست المكسورة كذلك .

الإعراب و اللغة

قال سيبويه نعم عدة و تصديق فإذا استفهمت أجبت بنعم قال أبو علي و الذي يريده بقوله عدة و تصديق أنه يستعمل عدة و يستعمل تصديقا و ليس يريد أنه يجتمع التصديق مع العدة أ لا ترى أنه إذا قال أ تعطيني فقلت نعم كان عدة و لا تصديق في هذا و إذا قال قد كان كذا فقلت نعم فقد صدقته و لا عدة في هذا فليس هذا القول من سيبويه كقوله في إذا أنها جواب و جزاء لأن إذا يكون جوابا في الموضع الذي يكون فيه جزاء و قوله إذا استفهمت أجبت بنعم يريد إذا استفهمت عن موجب أجبت بنعم و لو كان مكان الإيجاب النفي لقلت بلى و لم تقل نعم كما لا تقول في جواب الموجب بلى قال أ لست بربكم قالوا بلى و « الذين يصدون » في موضع جر بأنه صفة للظالمين و « عوجا » يجوز أن يكون منصوبا بأنه مفعول به بمعنى يبغون لها العوج و يجوز أن يكون منصوبا على المصدر بمعنى يطلبون لها هذا الضرب من الطلب كما تقول رجع القهقرى أي رجع هذا الضرب من الرجوع و كذلك عدا البشكي و اشتمل الصما و العوج بالكسر يكون في الطريق و في الدين و بالفتح يكون في الخلقة تقول في ساقه عوج بفتح العين و في دينه عوج بالكسر .

المعنى

ثم حكى سبحانه ما يجري بين أهل الجنة و النار بعد استقرارهم في الدارين فقال « و نادى » أي و سينادي « أصحاب الجنة أصحاب النار » أي أهل الجنة أهل النار و إنما ذكره بلفظ الماضي لتحقيق المعنى جعل ما سيكون كأنه قد كان لأنه كائن لا محالة و ذلك أبلغ في الردع « إن قد وجدنا ما وعدنا ربنا » من الثواب في كتبه و على ألسنة رسله « حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم » من العقاب « حقا » و إنما أضافوا الوعد بالجنة إلى نفوسهم لأن الكفار ما وعدهم الله بالجنة إلا بشرط أن يؤمنوا فلما لم يؤمنوا فكأنهم لم يوعدوا بالجنة و إنما سألوهم هذا السؤال لأن الكفار كانوا يكذبون المؤمنين فيما يدعون لأنفسهم من
مجمع البيان ج : 4 ص : 651
الثواب و لهم من العقاب فهو سؤال توبيخ و شماتة يريد به سرور أهل الجنة و حسرة أهل النار « قالوا نعم » أي قال أهل النار وجدنا ما وعدنا ربنا من العقاب حقا و صدقا « فأذن مؤذن بينهم » أي نادى مناد بينهم أسمع الفريقين « أن لعنة الله على الظالمين » أي غضب الله و سخطه و أليم عقابه على الكافرين لأنه وصف الظالمين بقوله « الذين يصدون عن سبيل الله » أي يعرضون عن الطريق الذي دل الله سبحانه على أنه يؤدي إلى الجنة و قيل معناه يصرفون غيرهم عن سبيل الله أي دينه و الحق الذي دعا إليه « و يبغونها عوجا » قال ابن عباس معناه يصلون لغير الله و يعظمون ما لم يعظمه الله و قيل معناه يطلبون لها العوج بالشبه التي يلتبسون بها و يوهمون أنه يقدح فيها و هي معوجة عن الحق بتناقضها « و هم بالآخرة » أي بالدار الآخرة يعني القيامة و البعث و الجزاء « كافرون » جاحدون و قيل في المؤذن أنه مالك خازن النار و روي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنه قال المؤذن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ذكره علي بن إبراهيم في تفسيره قال حدثني أبي عن محمد بن فضيل عن الرضا (عليه السلام) و رواه الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن محمد بن الحنفية عن علي (عليه السلام) أنه قال أنا ذلك المؤذن و بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس أن لعلي (عليه السلام) في كتاب الله أسماء لا يعرفها الناس قوله « فأذن مؤذن بينهم » فهو المؤذن بينهم يقول ألا لعنة الله على الذين كذبوا بولايتي و استخفوا بحقي .
وَ بَيْنهُمَا حِجَابٌ وَ عَلى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ وَ نَادَوْا أَصحَب الجَْنَّةِ أَن سلَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَ هُمْ يَطمَعُونَ(46) * وَ إِذَا صرِفَت أَبْصرُهُمْ تِلْقَاءَ أَصحَبِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظلِمِينَ(47)

اللغة

الحجاب الحاجز المانع من الإدراك و منه قيل للضرير محجوب و حاجب الأمير و حاجب العير و الأعراف الأمكنة المرتفعة أخذ من عرف الفرس و منه عرف الديك و كل مرتفع من الأرض عرف لأنه بظهوره أعرف مما انخفض قال الشماخ :
مجمع البيان ج : 4 ص : 652

و ظلت بأعراف تعالى كأنها
رماح نحاها وجهة الريح راكز و قال آخر :
كل كناز لحمه نياف
كالعلم الموفي على الأعراف يعني نشوزا من الأرض و السيماء العلامة و هي فعلى من سام إبله يسومها إذا أرسلها في المرعى معلمة و هي السائمة و قيل إن وزنه عفلى من وسمت فقلبت كما قالوا له جاه في الناس و أصله وجه و كما قالوا اضمحل و امضحل و أرض خامة أي وخمة و فيه ثلاث لغات سيما و سيماء بالقصر و المد و سيمياء على زنة كبرياء قال الشاعر :
له سيمياء ما يشق على البصر و التلقاء جهة اللقاء و هي جهة المقابلة و لذلك كان ظرفا من ظروف المكان تقول هو تلقاءك نحو هو حذاءك و الأبصار جمع بصر و هو الحاسة التي يدرك بها المبصر و قد يستعمل بمعنى المصدر و يقال له بصر بالأشياء أي علم بها و هو بصير بالأمور أي عالم .

المعنى

ثم ذكر سبحانه الفريقين في الجزاء فقال « و بينهما حجاب » أي بين الفريقين أهل الجنة و أهل النار ستر و هو الأعراف و الأعراف سور بين الجنة و النار عن ابن عباس و مجاهد و السدي و في التنزيل فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب و قيل الأعراف شرف ذلك السور عن الجبائي و قيل الأعراف الصراط عن الحسن بن الفضل « و على الأعراف رجال » اختلف في المراد بالرجال هنا على أقوال فقيل إنهم قوم استوت حسناتهم و سيئاتهم فحالت حسناتهم بينهم و بين النار و حالت سيئاتهم بينهم و بين الجنة فجعلوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما شاء ثم يدخلهم الجنة عن ابن عباس و ابن مسعود و ذكر أن بكر بن عبد الله المزني قال للحسن بلغني أنهم قوم استوت حسناتهم و سيئاتهم فضرب الحسن يده على فخذه ثم قال هؤلاء قوم جعلهم الله على تعريف أهل الجنة و النار يميزون بعضهم من بعض و الله لا أدري لعل بعضهم معنا في هذا البيت و قيل إن الأعراف موضع عال على الصراط عليه حمزة و العباس و علي و جعفر يعرفون محبيهم ببياض الوجوه و مبغضيهم بسواد الوجوه عن الضحاك عن ابن عباس رواه الثعلبي بالإسناد في تفسيره و قيل إنهم الملائكة في صورة الرجال يعرفون أهل الجنة و النار و يكونون خزنة الجنة و النار
مجمع البيان ج : 4 ص : 653
جميعا أو يكونون حفظة الأعمال الشاهدين بها في الآخرة عن أبي مجلز و قيل إنهم فضلاء المؤمنين عن الحسن و مجاهد و قيل إنهم الشهداء و هم عدول الآخرة عن الجبائي و قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام) هم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يدخل الجنة إلا من عرفهم و عرفوه و لا يدخل النار إلا من أنكرهم و أنكروه و قال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليهماالسلام) الأعراف كثبان بين الجنة و النار فيقف عليها كل نبي و كل خليفة نبي مع المذنبين من أهل زمانه كما يقف صاحب الجيش مع الضعفاء من جنده و قد سيق المحسنون إلى الجنة فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه انظروا إلى إخوانكم المحسنين قد سيقوا إلى الجنة فيسلم المذنبون عليهم و ذلك قوله « و نادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم » ثم أخبر سبحانه أنهم لم يدخلوها و هم يطمعون يعني هؤلاء المذنبين لم يدخلوا الجنة و هم يطمعون أن يدخلهم الله إياها بشفاعة النبي و الإمام و ينظر هؤلاء المذنبون إلى أهل النار فيقولون « ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين » ثم ينادي أصحاب الأعراف و هم الأنبياء و الخلفاء أهل النار مقرعين لهم ما أغنى عنكم جمعكم و ما كنتم تستكبرون أ هؤلاء الذين أقسمتم يعني أ هؤلاء المستضعفين الذين كنتم تحقرونهم تستطيلون بدنياكم عليهم ثم يقولون لهؤلاء المستضعفين عن أمر من الله لهم بذلك ادخلوا الجنة لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون و يؤيده ما رواه عمر بن شيبة و غيره أن عليا (عليه السلام) قسيم النار و الجنة و رواه أيضا بإسناده عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال يا علي كأني بك يوم القيامة و بيدك عصا عوسج تسوق قوما إلى الجنة و آخرين إلى النار و روى أبو القاسم الحسكاني بإسناده رفعه إلى الأصبغ بن نباتة قال كنت جالسا عند علي (عليه السلام) فأتاه ابن الكوا فسأله عن هذه الآية فقال ويحك يا ابن الكوا نحن نقف يوم القيامة بين الجنة و النار فمن ينصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة و من أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار و قوله « يعرفون كلا بسيماهم » يعني هؤلاء الرجال الذين هم على الأعراف يعرفون جميع الخلق بسيماهم يعرفون أهل الجنة بسيماء المطيعين و أهل النار بسيماء العصاة « و نادوا أصحاب الجنة » يعني هؤلاء الذين على الأعراف ينادون بأصحاب الجنة « أن سلام عليكم » و هذا تسليم و تهنئة و سرور بما وهب الله لهم « لم يدخلوها » أي لم يدخلوا الجنة بعد عن ابن عباس و ابن مسعود و الحسن و قتادة « و هم يطمعون » أن يدخلوها و قيل إن الطمع هاهنا طمع يقين مثل قول إبراهيم و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي و هو قول الحسن و أبي علي الجبائي « و إذا
مجمع البيان ج : 4 ص : 654
صرفت أبصارهم » يعني أبصار الذين على الأعراف « تلقاء أصحاب النار » إلى جهنم فنظروا إليهم و إنما قال صرفت أبصارهم لأن نظرهم نظر عداوة فلا ينظرون إليهم إلا إذا صرفت وجوههم إليهم « قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين » أي لا تجمعنا و إياهم في النار و روي أن في قراءة عبد الله بن مسعود و سالم و إذا قلبت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا عائذا بك أن تجعلنا مع القوم الظالمين و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) .
وَ نَادَى أَصحَب الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنى عَنكُمْ جَمْعُكمْ وَ مَا كُنتُمْ تَستَكْبرُونَ(48) أَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَة ادْخُلُوا الجَْنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكمْ وَ لا أَنتُمْ تحْزَنُونَ(49)

اللغة

النداء امتداد الصوت و رفعه و نادى نظير دعا إلا أن الدعاء قد يكون بعلامة من غير صوت و لا كلام و لكن بإشارة تنبىء عن معنى تعال و لا يكون النداء إلا برفع الصوت و هو مشتق من الندى و الخوف توقع المكروه و هو ضد الأمن و هو الثقة بانتفاء المكروه .

الإعراب

« هؤلاء » مبتدأ و خبره « الذين أقسمتم » و الأولى أن يكون « الذين أقسمتم » خبر مبتدإ محذوف التقدير أ هؤلاء هم الذين أقسمتم و قوله « لا ينالهم الله برحمة » جواب أقسمتم و هذا داخل في صلة الذين لأن الذين هنا وصل بالقسم و جوابه و لا يجوز أن يكون الذين صفة لهؤلاء من وجهين ( أحدهما ) أن المبهم لا يوصف إلا بالجنس ( و الآخر ) أنه يبقى المبتدأ بلا خبر .

المعنى

ثم بين سبحانه خطاب أصحاب الأعراف لأصحاب النار فقال « و نادى » أي و سينادي « أصحاب الأعراف رجالا » من أصحاب النار « يعرفونهم بسيماهم » أي بصفاتهم يدعونهم بأساميهم و كناهم و يسمون رؤساء المشركين عن ابن عباس و قيل بعلاماتهم التي جعلها الله تعالى لهم من سواد الوجوه و تشويه الخلق و زرقة العين عن الجبائي و قيل بصورهم التي كانوا يعرفونهم بها في الدنيا « قالوا ما أغنى عنكم جمعكم » الأموال
مجمع البيان ج : 4 ص : 655
و العدد في الدنيا « و ما كنتم تستكبرون » أي و استكباركم عن عبادة الله و عن قبول الحق و قد كنا نصحناكم فاشتغلتم بجمع المال و تكبرتم فلم تقبلوا منا فأين ذلك المال و أين ذلك التكبر و قيل معناه ما نفعكم جماعتكم التي استندتم إليها و تجبركم عن الانقياد لأنبياء الله في الدنيا عن الجبائي « أ هؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة » أي حلفتم أنهم لا يصيبهم الله برحمة و خير و لا يدخلون الجنة كذبتم ثم يقولون لهؤلاء « ادخلوا الجنة لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون » أي لا خائفين و لا محزونين على أكمل سرور و أتم كرامة و المراد بهذا تقريع الذين زروا على ضعفاء المؤمنين حتى حلفوا أنهم لا خير لهم عند الله و قد اضطربت أقوال المفسرين في القائل لهذا القول فقال الأكثرون إنه كلام أصحاب الأعراف و قيل هو كلام الله تعالى و قيل كلام الملائكة و الصحيح ما ذكرناه لأنه المروي عن الصادق (عليه السلام) .
وَ نَادَى أَصحَب النَّارِ أَصحَب الجَْنَّةِ أَنْ أَفِيضوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلى الْكَفِرِينَ(50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنساهُمْ كمَا نَسوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَ مَا كانُوا بِئَايَتِنَا يجْحَدُونَ(51)

اللغة

الإفاضة إجراء المائع من علو و منه قولهم أفاضوا في الحديث أي أخذوا فيه من أوله لأنه بمنزلة أعلاه و أفاضوا من عرفات إلى المزدلفة صاروا إليها و اللهو طلب صرف الهم بما لا يحسن أن يطلب به و اللعب طلب المرح بما لا يحسن أن يطلب به و اشتقاقه من اللعاب و هو المرور على غير استواء .

الإعراب

قال « أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله » ثم قال « حرمهما » و لم يقل حرمه و إن كان التقدير أفيضوا أحد هذين لأنه جاء على قولهم جالس الحسن أو ابن سيرين فيجوز مجالستهما جميعا و قوله « الذين اتخذوا » يجوز أن يكون في موضع جر صفة للكافرين و يحتمل أن يكون رفعا بالابتداء فيكون إخبارا من الله تعالى على وجه الذم لهم .

مجمع البيان ج : 4 ص : 656

المعنى

ثم ذكر سبحانه كلام أهل النار و ما أظهروه من الافتقار بدلا مما كانوا عليه من الاستكبار فقال « و نادى » أي و سينادي « أصحاب النار » و هم المخلدون في النار و في عذابها « أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء » أي صبوا علينا من الماء نسكن به العطش أو ندفع به حر النار « أو مما رزقكم الله » أي أعطاكم الله من الطعام عن السدي و ابن زيد « قالوا » يعني أهل الجنة جوابا لهم « أن الله حرمهما على الكافرين » و يسأل فيقال كيف ينادي أهل الجنة و أهل النار و أهل الجنة في السماء على ما جاءت به الرواية و أهل النار في الأرض و بينهما أبعد الغايات من البعد و أجيب عن ذلك بأنه يجوز أن يزيل الله تعالى عنهم ما يمنع من السماع و يجوز أن يقوي الله أصواتهم فيسمع بعضهم كلام بعض « الذين اتخذوا دينهم لهوا و لعبا » أي أعدوا دينهم الذي أمرهم الله تعالى به للهو و اللعب دون التدين به و قيل معناه اتخذوا دينهم الذي كان يلزمهم التدين به و التجنب من محظوراته لعبا و لهوا فحرموا ما شاءوا و استحلوا ما شاءوا بشهواتهم « و غرتهم الحياة الدنيا » أي اغتروا بها و بطول البقاء فيها فكأن الدنيا غرتهم « فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا » أي نتركهم في العذاب كما تركوا التأهب و العمل للقاء هذا اليوم عن ابن عباس و الحسن و مجاهد و قيل معناه نعاملهم معاملة المنسي في النار فلا نجيب لهم دعوة و لا نرحم لهم عبرة كما تركوا الاستدلال حتى نسوا العلم و تعرضوا للنسيان عن الجبائي « و ما كانوا ب آياتنا يجحدون » ما في الموضوعين بمعنى المصدر و تقديره كنسيانهم لقاء يومهم هذا و كونهم جاحدين لآياتنا و اختلف في هذه الآية فقيل إن الجميع كلام الله تعالى على غير وجه الحكاية عن أهل الجنة و تم كلام أهل الجنة عند قوله « حرمهما على الكافرين » و قيل إنه من كلام أهل الجنة إلى قوله « الحياة الدنيا » ثم استأنف تعالى الكلام بقوله « فاليوم ننساهم » .

مجمع البيان ج : 4 ص : 657
وَ لَقَدْ جِئْنَهُم بِكِتَب فَصلْنَهُ عَلى عِلْم هُدًى وَ رَحْمَةً لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ(52) هَلْ يَنظرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتى تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَت رُسلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شفَعَاءَ فَيَشفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنفُسهُمْ وَ ضلَّ عَنهُم مَّا كانُوا يَفْترُونَ(53)

اللغة

الكتاب صحيفة فيها حروف مسطورة تدل بتأليفها على معان مفهومة و التفصيل و التبيين و التقسيم نظائر ينظرون أي ينتظرون و الانتظار هو الإقبال على ما يأتي بالتوقع له و أصله الإقبال على الشيء بوجه من الوجوه و التأويل ما يؤول إليه حال الشيء و النسيان ذهاب المعنى عن النفس و اختلف المتكلمون فيه فقال أبو علي الجبائي أنه معنى و قال أبو هاشم ليس بمعنى و إنما هو من قبيل السهو و قال القاضي هو ذهاب العلم الضروري و إليه ذهب المرتضى .

الإعراب

« هدى و رحمة » يجوز أن يكون حالا و يجوز أن يكون مفعولا له و قال أبو مسلم مصدر وضع موضع الحال و لو قرىء بالرفع على الاستئناف أو بالجر على البدل لجاز إلا أن القراءة بالنصب « فيشفعوا » نصب لأنه جواب التمني بالفاء و تقديره هل يكون لنا شفعاء فشفاعة ، « أو نرد » بالرفع على تقدير أو هل نرد فنعمل أي هل يكون لنا رد قال فعمل أي فعمل منا غير ما كنا عملناه .

المعنى

لما ذكر حال الفريقين بين سبحانه أنه قد أتاهم الكتاب و الحجة فقال « و لقد جئناهم بكتاب » و هو القرآن « فصلناه » بيناه و فسرناه « على علم » أي و نحن عالمون به و لما كانت لفظة عالم مأخوذة من العلم جاز أن يذكر العلم ليدل به على العالم كما أن الوجود في صفة الموجود كذلك « هدى و رحمة لقوم يؤمنون » أي دلالة ترشدهم إلى الحق و تنجيهم من الضلالة و نعمة على جميع المؤمنين لأنهم المنتفعون به « هل ينظرون إلا تأويله » أي هل ينتظرون إلا عاقبة لجزاء عليه و ما يؤول مغبة أمورهم إليه عن الحسن و قتادة و مجاهد و السدي و إنما أضاف إليهم مجازا لأنهم كانوا جاحدين لذلك غير متوقعين له و إنما كان ينتظر بهم المؤمنون لإيمانهم بذلك و اعترافهم به و قيل إن تأويله ما وعدوا به من البعث و النشور و الحساب و العقاب عن الجبائي « يوم يأتي تأويله » أي يوم يأتي عاقبة ما وعدوا به « يقول الذين نسوة من قبل » أي يقول الذين تركوا العمل به ترك الناس له و أعرضوا
مجمع البيان ج : 4 ص : 658
عنه عن مجاهد و الزجاج « قد جاءت رسل ربنا بالحق » اعترفوا بأن ما جاءت به الرسل كان حقا و الحق ما شهد بصحته العقل « فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا » تمنوا أن يكون لهم شفعاء يشفعون لهم في إزالة العقاب « أو نرد » أي أو هل نرد إلى الدنيا « فنعمل غير الذي كنا نعمل » من الشرك و المعصية « قد خسروا أنفسهم » أي أهلكوها بالعذاب « و ضل عنهم ما كانوا يفترون » على الأصنام بقولهم إنها آلهة و إنها تشفع لنا .
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السمَوَتِ وَ الأَرْض فى سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ استَوَى عَلى الْعَرْشِ يُغْشى الَّيْلَ النهَارَ يَطلُبُهُ حَثِيثاً وَ الشمْس وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسخَّرَتِ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الخَْلْقُ وَ الأَمْرُ تَبَارَك اللَّهُ رَب الْعَلَمِينَ(54)

القراءة

قرأ أهل الكوفة غير حفص و يعقوب يغشي بالتشديد و كذلك في الرعد و الباقون بالتخفيف و قرأ ابن عامر و الشمس و القمر و النجوم مسخرات كله بالرفع و الباقون بالنصب .

الحجة

قال أبو علي غشي فعل متعد إلى مفعول واحد فإذا نقلته بالهمزة أو بتضعيف العين تعدى إلى مفعولين و قد جاء التنزيل بالأمرين قال فغشاها ما غشى فما في موضع نصب بأنه المفعول الثاني و قال فأغشيناهم فهم لا يبصرون فهذا منقول بالهمزة و المفعول الثاني محذوف و المعنى فأغشيناهم العمى أو فقد الرؤية عنهم فإذا جاء التنزيل بالأمرين فكلا الفريقين قرأ بما جاء في التنزيل و قوله « يغشي الليل و النهار » كل واحد من الليل و النهار منتصب بأنه مفعول به و الفعل قبل النقل غشي الليل و النهار و لم يقل يغشي النهار و الليل كما قال سرابيل تقيكم الحر و لم يقل تقيكم البرد للعلم بذلك من الفحوى و مثل هذا لا يضيق و حجة من نصب « الشمس و القمر و النجوم » له حمله على خلق كما قال و اسجدوا لله الذي خلقهن و حجة ابن عامر قوله و سخر لكم ما في السماوات و الأرض و مما في السماء الشمس و القمر فإذا أخبر بتسخيرهما حسن الإخبار عنهما به كما أنك إذا قلت ضربت زيدا
مجمع البيان ج : 4 ص : 659
استقام أن تقول زيد مضروب .

اللغة

قد بينا معنى الاستواء في سورة البقرة عند قوله ثم استوى إلى السماء و العرش السرير و منه و لها عرش عظيم و العرش الملك يقال ثل عرشه و العرش السقف و منه قوله فهي خاوية على عروشها و الحثيث السير السريع بالسوق و أصل البركة الثبات و منه براكاء القتال .

الإعراب

قوله « حثيثا » يجوز أن يكون حالا من الفاعل أو المفعول أو منهما جميعا و مثله قوله فأتت به قومها تحمله فإن تحمله كذلك و مثله قول الشاعر :
متى ما تلقني فردين ترجف
روانف أليتيك و تستطارا .

المعنى

لما ذكر سبحانه الكفار و عبادتهم غير الله سبحانه احتج عليهم بمقدوراته و مصنوعاته و دلهم بذلك على أنه لا معبود سواه فقال مخاطبا لجميع الخلق « إن ربكم الله » أي إن سيدكم و مالككم و منشئكم و محدثكم هو الله « الذي خلق السماوات » أي أنشأ أعيانها و أبدعها لا من شيء و لا على مثال ثم أمسكها بلا عماد يدعمها « و الأرض » أي و أنشأ الأرض أوجدها كذلك « في ستة أيام » أي في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا و لا شبهة أنه سبحانه يقدر على خلق أمثال ذلك في لحظة و لكنه خلقهما في هذه المدة لمصلحة و رتبهما على أيام الأسبوع فابتدأ بالأحد و الإثنين و الثلاثاء و الأربعاء و الخميس و الجمعة فاجتمع له الخلق يوم الجمعة فلذلك سمي الجمعة عن مجاهد و قيل إن ترتيب الحوادث على إنشاء شيء بعد شيء على ترتيب أدل على كون فاعله عالما مدبرا يصرفه على اختياره و يجريه على مشيئته و قيل إنه سبحانه علم خلقه التثبت و الرفق في الأمور عن سعيد بن جبير « ثم استوى على العرش » أي استوى أمره على الملك عن الحسن يعني استقر ملكه و استقام بعد خلق السماوات و الأرض فظهر ذلك للملائكة و إنما أخرج هذا على المتعارف من كلام العرب كقولهم استوى الملك على عرشه إذا انتظمت أمور مملكته و إذا اختل أمر ملكه قالوا ثل عرشه و لعل ذلك الملك لا يكون له سرير و لا يجلس على سرير أبدا قال الشاعر :
إذا ما بنو مروان ثلت عروشهم
و أودت كما أودت أياد و حمير
مجمع البيان ج : 4 ص : 660
و قال :
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم
بعتيبة بن الحارث بن شهاب و قيل معناه ثم استوى عليه بأن رفعه عن الجبائي و قيل معناه ثم قصد إلى خلق العرش عن الفراء و جماعة و اختاره القاضي قال دل بقوله ثم إن خلق العرش كان بعد خلق السماء و الأرض و روي عن مالك بن أنس أنه قال الاستواء غير مجهول و كيفيته غير معلومة و السؤال عنه بدعة و روي عن أبي حنيفة أنه قال أمروه كما جاء أي لا تفسروه « يغشي » أي يلبس « الليل النهار » يعني يأتي بأحدهما بعد الآخر فيجعل ظلمة الليل بمنزلة الغشاوة للنهار و لم يقل و يغشي النهار الليل لأن الكلام يدل عليه و قد ذكر في موضع آخر يكور الليل على النهار و يكور النهار على الليل « يطلبه حثيثا » أي يتلوه فيدركه سريعا و هذا توسع يريد أنه يأتي في أثره كما يأتي الشيء في إثر الشيء طالبا له « و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره » أي مذللات جاريات في مجاريهن بتدبيره و صنعه خلقهن لمنافع العباد و من قرأ مسخرات بالنصب فإنه منصوب على الحال « ألا له الخلق و الأمر » إنما فصل بين الخلق و الأمر لأن فائدتهما مختلفة لأنه يريد بالخلق أن له الاختراع و بالأمر أن له أن يأمر في خلقه بما أحب و يفعل بهم ما شاء « تبارك الله » أي تعالى بالوحدانية فيما لم يزل و لا يزال فهو بمعنى تعالى بدوام الثبات و قيل معناه تعالى عن صفات المخلوقين و المحدثين و قيل تعالى بدوام البركة أي البركة في ذكر اسمه « رب العالمين » أي خالقهم و مالكهم و سيدهم .
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يحِب الْمُعْتَدِينَ(55) وَ لا تُفْسِدُوا فى الأَرْضِ بَعْدَ إِصلَحِهَا وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طمَعاً إِنَّ رَحْمَت اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ(56)

القراءة

قرأ أبو بكر عن عاصم خفية بكسر الخاء و الباقون بضمها و هما لغتان .

اللغة

التضرع التذلل و هو إظهار الذل الذي في النفس و مثله التخشع و منه التطلب لأمر من الأمور و أصل التضرع الميل في الجهات ذلا من قولهم ضرع الرجل يضرع ضرعا إذا مال بإصبعه يمينا و شمالا ذلا و خوفا و منه ضرع الشاة لأن اللبن يميل إليه و منه المضارعة
مجمع البيان ج : 4 ص : 661
للمشابهة لأنها تميل إلى شبه و الضريع نبت لا يسمن لأنه يميل مع كل داء و الخفية خلاف العلانية و الهمزة في الإخفاء منقلبة عن الياء كما أن الهمزة في الغناء منقلبة عن الياء بدلالة الغنية و قالوا أخفيت الشيء إذا أظهرته قال الشاعر :
يخفي التراب بأظلاف ثمانية
في أربع مسهن الأرض تحليل و يمكن أن يكون أخفيت الشيء أي أزلت إظهاره و إذا أزلت إظهاره فقد كتمته كما أن أشكيته بمعنى أزلت شكايته و الخفية الإخفاء و الخيفة الخوف و الرهبة و الطمع توقع المحبوب و ضده اليأس و هو القطع بانتفاء المحبوب .

الإعراب

« تضرعا و خفية » مصدران وضعا موضع الحال أي ادعوه متضرعين و مخفين و قوله « خوفا و طمعا » في موضع الحال أيضا أي خائفين عقابه و طامعين في رحمته قال الفراء إنما ذكر قريب و لم يؤنث ليفصل بين القريب من القرابة و القريب من القرب قال الزجاج و هذا غلط لأن كل ما قرب في مكان أو نسب فهو جار على ما يصيبه من التأنيث و التذكير و الوجه في تذكيره هنا أن الرحمة و الغفران و العفو في معنى واحد و كذلك كل تأنيث ليس بحقيقي و قال الأخفش جائز أن يكون أراد بالرحمة هنا النظر فلذلك ذكره و مثله قول الشاعر :
يا أيها الراكب المزجي مطيته
سائل بني أسد ما هذه الصوت أي ما هذه الصيحة و قول الآخر :
إن السماحة و المروءة ضمنا
قبرا بمرو على الطريق الواضح .

المعنى

ثم أمر سبحانه بعد ذكره دلائل توحيده بدعائه على وجه الخشوع كافة عبيده فقال « ادعوا ربكم تضرعا و خفية » أي تخشعا و سرا عن الحسن قال بين دعوة السر و دعوة العلانية سبعون ضعفا ثم قال إن كان الرجل لقد جمع القرآن و ما يشعر به جاره و إن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير و ما يشعر به الناس و إن كان الرجل ليصلي الصلاة الكثيرة في بيته و عنده الزور فلا يشعرن به و لقد تداركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن
مجمع البيان ج : 4 ص : 662
يعملوه في السر فيكون علانية أبدا و لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء و ما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم و بين ربهم و روي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان في غزاة فأشرفوا على واد فجعل الناس يهللون و يكبرون و يرفعون أصواتهم فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم أما إنكم لا تدعون الأصم و لا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا إنه معكم و قيل إن التضرع رفع الصوت و الخفية السر أي ادعوه علانية و سرا عن أبي مسلم و رواه علي بن إبراهيم في تفسيره « إنه لا يحب المعتدين » في الدعاء قيل هو أن يطلب منازل الأنبياء فيجاوز الحد في الدعاء عن أبي مجلز و قيل هو الصياح في الدعاء عن ابن جريج و قيل معناه لا يحب المجاوزين الحد المرسوم في جميع العبادات و الدعوات « و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها » و معناه النهي عن قتل المؤمنين و إضلالهم و العمل بالمعاصي في الأرض بعد أن أصلحها الله بالكتب و الرسل عن السدي و الحسن و الضحاك و الكلبي و قيل بعد أن أمر الله بالإصلاح فيها قال الحسن و إصلاحها اتباع أوامر الله تعالى فيها و روي عنه أيضا أنه قال لا تفسدوها بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه و قيل لا تفسدوها بالظلم بعد إصلاحها بالعدل و قيل معناه لا تعصوا في الأرض فيمسك الله المطر و يهلك الحرث بمعاصيكم عن عطية و على هذا فيكون معنى قوله « بعد إصلاحها » بعد إصلاح الله إياها بالمطر و الخصب و روى ميسر عن أبي جعفر (عليه السلام) في هذه الآية قال إن الأرض كانت فاسدة فأصلحها الله بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) « و ادعوه خوفا و طمعا » خوفا من عقابه و طمعا في ثوابه و قيل خوفا من الرد و طمعا في الإجابة و قيل خوفا من عدله و طمعا في فضله عن ابن جريج و قيل معناه خوفا من النيران و طمعا في الجنان عن عطا « إن رحمة الله قريب من المحسنين » معناه أن إنعام الله قريب إلى فاعلي الإحسان و قيل إن رحمة الله أي ثوابه قريب من المطيعين عن سعيد بن جبير و قيل المراد بالرحمة المطر عن الأخفش و يؤيده قوله فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها و الإنسان هو النفع الذي يستحق به الحمد و الإساءة هي الضرر الذي يستحق به الذم و من قال إن المراد بالمحسنين من خلصت أفعاله من الإساءة و كانت كلها حسنة فالظاهر لا يقتضي ذلك بل الذي يقتضيه أن رحمة الله واصلة إلى من فعل الإحسان و ليس فيه أنه لا يصل إلى من جمع الإحسان و الإساءة و ذلك موقوف على الدلالة .

مجمع البيان ج : 4 ص : 663
وَ هُوَ الَّذِى يُرْسِلُ الرِّيَحَ بُشرَا بَينَ يَدَى رَحْمَتِهِ حَتى إِذَا أَقَلَّت سحَاباً ثِقَالاً سقْنَهُ لِبَلَد مَّيِّت فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كلِّ الثَّمَرَتِ كَذَلِك نخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكرُونَ(57) وَ الْبَلَدُ الطيِّب يخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِى خَبُث لا يخْرُجُ إِلا نَكِداً كذَلِك نُصرِّف الاَيَتِ لِقَوْم يَشكُرُونَ(58)

القراءة

قرأ ابن كثير الريح واحدة و نشرا مضمومة النون و الشين و قرأ أهل المدينة و البصرة « الرياح » جمع نشر بضم النون و الشين حيث كان و قرأ أهل الكوفة غير عاصم الريح نشرا بفتح النون و سكون الشين و قرأ ابن عامر الرياح نشرا بضم النون و سكون الشين و قرأ عاصم « الرياح بشرا » بالباء ساكنة الشين و قرأ أبو جعفر إلا نكدا بفتح الكاف و الباقون بالكسر .

الحجة

قال أبو علي اعلم أن الريح اسم على فعل و العين منه واو فانقلبت في الواحد للكسر فأما في الجمع القليل فصحت لأنه لا شيء فيه يوجب الإعلال أ لا ترى أن الفتحة لا توجب إعلال هذه الواو في نحو قوم و قول فأما في الجمع الكثير فرياح انقلبت ياء للكسرة التي قبلها و إذا كانت انقلبت في نحو ديمة و ديم و حيلة و حيل فأن تنقلب في رياح أجدر لوقوع الألف بعدها و الألف تشبه الياء و الياء إذا تأخرت عن الواو أوجب فيه الإعلال و كذلك الألف لتشبهها بها و قد يجوز أن يكون الريح على لفظ الواحد و يراد به الكثرة كقولهم كثر الدرهم و الدينار و الشاة و البعير و إن الإنسان لفي خسر ثم قال إلا الذين آمنوا و كذلك من قرأ الريح نشرا فأفرد و وصفه بالجمع فإنه حمله على المعنى و قد أجاز أبو الحسن ذلك و قال الشاعر :
فيها اثنتان و أربعون حلوبة
سودا كخافية الغراب الأسحم و من نصب حمله على المعنى لأن المفرد يراد به الجمع و هذا وجه قراءة ابن كثير و قول من جمع الريح إذا وصفها بالجمع الذي هو نشرا أحسن لأن الحمل على المعنى ليس بكثير كالحمل على اللفظ و أما ما جاء في الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يقول إذا هبت ريح اللهم اجعلها رياحا و لا تجعلها ريحا فلأن عامة ما جاء في التنزيل على لفظ الرياح للسقيا و الرحمة كقوله تعالى « و أرسلنا الرياح لواقح » و « يرسل الرياح مبشرات » و ما جاء بخلاف ذلك جاء على الإفراد كقوله « فأهلكوا بريح صرصر عاتية » ريح فيها عذاب أليم قال
مجمع البيان ج : 4 ص : 664
أبو عبيدة نشرا متفرقة من كل جانب و قال أبو زيد أنشر الله الموتى إنشارا إذا بعثها و أنشر الله الريح مثل أحياها فنشرت هي أي حييت و الدليل على أن إنشار الريح إحياؤها قول المرار الفقعسي :
و هبت له ريح الجنوب و أحييت
له ريدة يحيي المياه نسيمها و الريدة و الريدانة الريح قال
أودت به ريدانة صرصر ) و من قرأ نشرا يحتمل ضربين يجوز أن يكون جمع ريح نشور و ريح ناشر و يكون على معنى النسب فإذا جعلته جميع نشور احتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون النشور بمعنى المنشر كما أن الركوب بمعنى المركوب فكأن المعنى ريح أو رياح منشرة و يجوز أن يكون جمع نشور يراد به الفاعل مثل طهور و نحوه من الصفات و يجوز أن يكون نشرا جمع ناشر كشاهد و شهد و نازل و نزل و قاتل و قتل قال الأعشى
إنا لأمثالكم يا قومنا قتل ) و قول ابن عامر نشرا يحتمل الوجهين ( أحدهما ) أن يكون على فعول و فاعل و خفف العين كما خفف في كتب و رسل و يكون جمع فاعل كنازل و ينزل و عايط و عيط و أما من قرأ نشرا فإنه يحتمل ضربين ( أحدهما ) أن يكون المصدر حالا من الريح فإذا جعلته حالا منها احتمل أمرين ( أحدهما ) أن يكون النشر الذي هو خلاف الطي كأنها كانت بانقطاعها كالمطوية و يجوز على تأويل أبي عبيدة أن تكون متفرقة في وجوهها ( و الآخر ) أن يكون النشر الذي هو الحياة في نحو قوله
يا عجبا للميت الناشر ) فإذا حملته على ذلك و هو الوجه كان المصدر يراد به الفاعل كما تقول أتانا ركضا أي راكضا و يجوز أن يكون المصدر يراد به المفعول كأنه يرسل الرياح إنشارا أي محياة فحذف الزوائد من المصدر كما قال عمرك الله و كما قال
و أن يهلك فذلك كان قدري ) أي تقديري ( و الضرب الآخر ) أن يكون نشرا ينتصب انتصاب المصدر من باب صنع الله لأنه إذا قال يرسل الرياح دل هذا الكلام على تنشر الرياح نشرا أو تنشر نشرا من قوله
كما تنشر بعد الطية الكتب ) و من نشرت الريح كما ينشر الميت و قرأ عاصم « بشرا » جمع بشير و بشر من قوله « يرسل الرياح مبشرات » أي تبشر بالمطر و الرحمة و جمع بشيرا على بشر ككتاب و كتب الوجه في قراءة أبي جعفر نكدا أنه لغة في نكد قال الزجاج و يجوز فيه و جهان آخران نكدا و نكدا إلا أنه لم يثبت بهما رواية .

اللغة

الإقلال حمل الشيء بأسره حتى يقل في طاقة الحامل له بقوة جسمه يقال استقل بحمله استقلالا و أقله إقلالا و السحاب الغيم الجاري في السماء يقال سحبته فانسحب
مجمع البيان ج : 4 ص : 665
و السوق حث الشيء في السير حتى يقع الإسراع فيه يقال ساقه و استاقه و البلد هو الأرض التي تجمع الخلق الكثير و البادية كالبلد للأعراب و نحوهم من الأكراد و النكد العسر الممتنع من إعطاء الخير على وجه البخل يقال نكد ينكد نكدا و نكدا فهو نكد و نكد و قد نكد إذا سئل فبخل قال الشاعر :
و أعط ما أعطيته طيبا
لا خير في المنكود و الناكد .

المعنى

لما أخبر الله سبحانه في الآية المتقدمة بأنه خلق السماوات و الأرض و ما فيها من البدائع عطف على ذلك بقوله « و هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته » تعداد النعمة على بريته أي يطلقها و يجريها منتشرة في الأرض أو محيية للأرض أو مبشرة بالغيث على ما تقدم بيانه قدام رحمته و هو المطر « حتى إذا أقلت » أي حملت و قيل رفعت « سحابا ثقالا » بالماء « سقناه لبلد ميت » أي إلى بلد ميت و موت البلد تعفي مزارعه و دروس مشاربه لا نبات فيه و لا زرع و لم يقل سقناها لأنه رد الضمير إلى لفظ السحاب و الرياح تجمع السحاب من المواضع المختلفة حتى إذا اتصل السحاب أنزل المطر « فأنزلنا به الماء » يجوز أن يكون في الضمير في به راجعا إلى البلد أي فأنزلنا بالبلد الماء و يجوز أن يكون راجعا إلى السحاب أي فأنزلنا بالسحاب الماء « فأخرجنا به » أي بهذا الماء المنزل أو بهذا البلد « من كل الثمرات » يحتمل أن يكون من للتبعيض و يحتمل أن يكون لتبيين الجنس « كذلك نخرج الموتى » أي كما أخرجنا الثمرات كذلك نخرج الموتى بأن نحييها بعد موتها « لعلكم تذكرون » أي لكي تتذكروا و تتفكروا و تعتبروا بأن من قدر على إنشاء الأشجار و الثمار في البلد الذي لا ماء فيه و لا زرع بريح يرسلها فإنه يقدر على إحياء الأموات بأن يعيدها إلى ما كانت عليه و يخلق فيها الحياة و القدرة و استدل أبو القاسم البلخي بهذه الآية على أن كثيرا من الأشياء يكون بالطبع قال لأن الله تعالى بين أنه يخرج الثمرات بالماء الذي ينزله من السماء ثم قال و لا ينبغي أن ينكر ذلك و إنما ينكر قول من يقول بقدم الطبائع و أن الجهادات فاعلة فأما من قال أن الله تعالى هو الفاعل لهذه الأشياء غير أنه يفعلها تارة مخترعة بلا وسائط و تارة يفعلها بوسائط فلا كراهة في ذلك كما تقول في السبب و المسبب و أنكر عليه هذا القول أكثر أهل العدل و قالوا إن الله سبحانه أجرى العادة بإخراج النبات عند إنزال المطر مع قدرته على إخراج ذلك من غير مطر لما تقتضيه الحكمة من وجوه المصالح الدينية و الدنيوية ثم بين سبحانه حال الأرض التي يأتيها المطر فقال « و البلد الطيب » معناه و الأرض الطيب ترابه « يخرج نباته » أي
مجمع البيان ج : 4 ص : 666
زروعه خروجا حسنا ناميا زاكيا من غير كد و لا عناء « بإذن ربه » بأمر الله تعالى و إنما قال « بإذن ربه » ليكون أدل على العظمة و نفوذ الإرادة من غير تعب و لا نصب « و الذي خبث لا يخرج إلا نكدا » أي و الأرض السبخة التي خبث ترابها لا يخرج ريعها إلا شيئا قليلا لا ينتفع به عن السدي و معناه إلا عسرا ممتنعا من الخروج و لو أراد سبحانه أن يخرج من الأرض النكدة أكثر مما يخرج من الأرض الطيبة لأمكنه إلا أنه أجرى العادة بإخراجه من الأرض الطيبة ليكون ذلك باعثا للإنسان على طلب الخير من مظانه و دلالة له على وجوب الاجتهاد في الطاعات فإذا حمل نفسه على ابتغاء الخير اليسير الذي لا يدوم و ربما لا يحصل فأن يبتغي النعيم الدائم الذي لا يفنى و لا يبيد بالأعمال الصالحة أولى « كذلك نصرف الآيات » أي الدلالات المختلفة « لقوم يشكرون » معناه كما بينا هذا المثل نبين الدلالات للشاكرين و قيل كما صرفنا الآيات لكم بالإتيان ب آية بعد آية و حجة بعد أخرى نصرفها لقوم يشكرون الله على إنعامه عليهم و من إنعامه عليهم هدايته إياهم لما فيه نجاتهم و تبصيرهم سبيل أهل الضلال و أمره إياهم تجنب ذلك و العدول عنه و روي عن ابن عباس و مجاهد و الحسن أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن و الكافر فأخبر بأن الأرض كلها جنس واحد إلا أن منها طيبة تلين بالمطر و يحسن نباتها و يكثر ريعها و منها سبخة لا تنبت شيئا فإن أنبتت فما لا منفعة فيه و كذلك القلوب كلها لحم و دم ثم منها لين يقيل الوعظ و منها قاس جاف لا يقبل الوعظ فليشكر الله تعالى من لأن قلبه لذكره .

مجمع البيان ج : 4 ص : 667
لَقَدْ أَرْسلْنَا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَه غَيرُهُ إِنى أَخَاف عَلَيْكُمْ عَذَاب يَوْم عَظِيم(59) قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنرَاك فى ضلَل مُّبِين(60) قَالَ يَقَوْمِ لَيْس بى ضلَلَةٌ وَ لَكِنى رَسولٌ مِّن رَّب الْعَلَمِينَ(61) أُبَلِّغُكُمْ رِسلَتِ رَبى وَ أَنصحُ لَكمْ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ(62) أَ وَ عجِبْتُمْ أَن جَاءَكمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكمْ عَلى رَجُل مِّنكمْ لِيُنذِرَكُمْ وَ لِتَتَّقُوا وَ لَعَلَّكمْ تُرْحَمُونَ(63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ فى الْفُلْكِ وَ أَغْرَقْنَا الَّذِينَ كذَّبُوا بِئَايَتِنَا إِنهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ(64)

القراءة

قرأ أبو جعفر و الكسائي من إله غيره بخفض الراء حيث وقع و الباقون بالرفع و قرأ أبو عمرو وحده أبلغكم بتخفيف اللام و الباقون بتشديدها .

الحجة

قال أبو علي وجه قراءة من جر أنه جعل غيرا صفة لإله على اللفظ و جعل لكم مستقرا أو جعله غير مستقر و أضمر الخبر و الخبر ما لكم في الوجود أو في العالم أو نحو ذلك لا بد من هذا الإضمار إذا لم نجعل لكم مستقرا لأن الصفة و الموصوف لا يستقل بهما كلام و حجة من رفع قوله ما من إله إلا الله فكما أن قوله إلا الله بدل من قوله من إله كذلك قوله « غيره » يكون بدلا من قوله « من إله » و « غيره » يكون بمنزلة الاسم الذي بعد إلا و هذا الذي ذكرنا أولى أن يحمل عليه من أن يجعل غير صفة لإله على الموضع فإن قلت ما تنكر أن يكون إلا الله صفة لقوله من إله على الموضع كما كان قوله لو كان فيهما آلهة إلا الله صفة لآلهة قيل إن إلا بكونها استثناء أعرف و أكثر من كونها صفة و إنما جعلت صفة على التشبيه بغير فإذا كان الاستثناء أولى حملنا هل من خالق غير الله على الاستثناء من المنفي في المعنى لأن قوله هل من خالق غير الله بمنزلة ما من خالق غير الله و لا بد من إضمار الخبر كأنه ما من خالق للعالم غير الله و يؤكد ذلك لا إله إلا الله فهذا استثناء من منفي مثل لا أحد في الدار إلا زيد فأما قراءة حمزة و الكسائي هل من خالق غير الله فعلى أن جعلا غير صفة للخالق و أضمرا الخبر كما تقدم و الباقون جعلوه استثناء بدلا من المنفي و هو الأولى عندنا لما تقدم من الاستشهاد عليه من قوله ما من إله إلا الله و « أبلغكم » فالقول فيه أن بلغ يتعدى إلى مفعول في نحو بلغني الخبر فإذا نقلته تعدى إلى مفعولين و النقل يكون بالهمزة و بتضعيف العين و كلا الأمرين جاء به التنزيل قال سبحانه يا أيها الرسول بلغ إلى قوله فما بلغت رسالته و قال فإن تولوا فقد أبلغتكم و ليعلم أن قد أبلغوا .

اللغة

الملأ الجماعة من الرجال خاصة و مثله القوم و النفر و الرهط عن الفراء و سموا بذلك لأنهم يملئون المحافل و القوم الجمع الذي يقوم بالأمر سموا بالمصدر و الإبلاغ
مجمع البيان ج : 4 ص : 668
إيصال ما فيه بيان و إفهام و منه البلاغة و هو إيصال المعنى إلى النفس بأحسن صورة من اللفظ و البليغ الذي ينشىء البلاغة لا الذي يأتي بها على وجه الحكاية و الفرق بين الإبلاغ و الأداء أن الأداء إيصال الشيء على الوجه الذي يجب فيه و منه فلان أدى الدين أداء و فلان حسن الأداء لما يسمع و حسن الأداء للقراءة و الرسالات جمع رسالة و هي جملة من البيان يحملها القائم بها ليؤديها إلى غيره و النصيحة إخلاص النية من شائب الفساد في المعاملة و الفلك و السفن يقع على الواحد و على الجمع و أصله الدور مشتق من قولهم فلك ثدي الجارية إذا استدار و منه الفلكة و الفلك .

الإعراب

« يا قوم » حذفت ياء الإضافة لقوة النداء على التغيير حتى يحذف للترخيم فلما جاز أن يحذف في غير النداء للاجتزاء بالكسرة منها لزم أن يحذف فيه لاجتماع سببين فيها « لكني » أصله لكنني حذفت النون لاجتماع النونات و يجوز الإتمام في غير القرآن لأنه الأصل و كذلك إني و كأني فأما ليتني فلا يجوز فيه إلا إثبات النون لأنه لم يعرض فيه علة الحذف و أما لعلي فيجوز فيه الوجهان لأن اللام قريبة من النون ، « رسول من رب العالمين » من هنا لابتداء الغاية أي هو ابتدائي بالرسالة و كل مبتدإ بفعل فذلك الفعل منه و أصل من أن يكون لابتداء الغاية .

المعنى

لما بين الله سبحانه الأدلة على وحدانيته ذكر بعده حال من عاند و كذب رسله تسلية لنبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و تثبيتا له على احتمال الأذى من قومه و تحذيرا لهم عن الاقتداء بأولئك فينزل بهم ما نزل بهم و ابتداء بقصة نوح فقال « لقد أرسلنا نوحا إلى قومه » اللام للقسم و قد تأكيد للكلام و تقديره حقا أقول إنا حملنا نوحا الرسالة إلى قومه و تحميل الرسالة تكليفه القيام بها و هي منزلة جليلة شريفة يستحق الرسول بتقبله إياها و قيامه بأعبائها من التعظيم و الإجلال ما لا يستحق بغيره و هو نوح بن ملك بن متوشلخ بن أخنوخ النبي و هو إدريس (عليه السلام) و هو أول نبي بعد إدريس و قيل إنه كان نجارا و ولد في العام الذي مات فيه آدم (عليه السلام) قبل موت آدم في الألف الأولى و بعث في الألف الثانية و هو ابن أربعمائة و قيل بعث و هو ابن خمسين سنة و لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما و كان في تلك الألف ثلاثة قرون عايشهم و عمر فيهم و كان يدعوهم ليلا و نهارا فلا يزيدهم دعاؤه إلا فرارا و كان يضربه قومه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ثم شكاهم إلى الله تعالى ففرغت له الدنيا و عاش بعد ذلك تسعين سنة و روي أكثر من ذلك أيضا « فقال
مجمع البيان ج : 4 ص : 669
يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره » أخبر سبحانه أنه أمرهم بعبادة الله وحده لأنه لا إله لهم غيره و لا معبود لهم سواه ثم أوعدهم على مخالفته فقال « إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم » إنما قال أخاف و لم يقطع لأنه جوز أن يؤمنوا ثم ذكر سبحانه جوابهم فقال « قال الملأ من قومه » أي الجماعة من قومه عن الجبائي و قيل الأشراف و الرؤساء الذين يملئون الصدور هيبا و جمالا عن أبي مسلم « إنا لنراك في ضلال مبين » قيل معناه رؤية القلب الذي هو العلم أي إنا لنعلمك في ذهاب من الحق بين ظاهر لدعائك إيانا إلى ترك عبادة الأصنام و قيل معناه رؤية البصر أي نراك بأبصارنا على هذه الحال و قيل أنه من الرأي الذي هو غالب الظن فكأنه قال إنا لنظنك « قال يا قوم ليس بي ضلالة » هذا إخبار عما أجابهم به نوح (عليه السلام) أي ليس بي عدول عن الحق و لا ذهاب عن الصواب يقال به ضلالة لأن معناه عرض به ذاك كما يقال به جنة و لا يجوز أن يقال به معرفة لأنها ليست مما يعرض لصاحبها و لكن يصح أن يقال به جوع و به عطش « و لكني رسول من رب العالمين » الذي يملك كل شيء « أبلغكم رسالات ربي » أي أؤدي إليكم ما حملني ربي من الرسالات « و أنصح لكم » في تبليغ الرسالة على وجهها من غير تغيير و لا زيادة و لا نقصان « و أعلم من الله » أي من صفات الله و توحيده و عدله و حكمته « ما لا تعلمون » و قيل أعلم من دين الله و قيل أعلم من قدرته و سلطانه و شدة عقابه ما لا تعلمونه و الكل محتمل و قيل إنما قال ذلك لأن قوم نوح لم يسمعوا قط أن الله سبحانه عذب قوما و قد سمعت الأمم بعدهم هلاك من قبلهم أ لا ترى أن هودا قال جعلكم خلفاء من بعد نوح و قال شعيب مثل ما أصاب قوم نوح « أ و عجبتم » هذه همزة استفهام دخلت على واو العطف على جهة الإنكار فبقيت الواو مفتوحة كما كانت فالكلام مستأنف من وجه متصل من وجه « إن جاءكم ذكر » أي لأن جاءكم بيان و قيل نبوة و رسالة « من ربكم على رجل منكم لينذركم » أي على بشر مثلكم ليخوفكم العقاب إن لم تؤمنوا و قيل أن على هنا بمعنى مع أي مع رجل منكم تعرفون مولده و منشأه ليعلمكم بموضع المخافة و إنما أنكر عليهم التعجب لأنه ليس في إرساله إليهم ليرشدهم إلى ما فيه صلاحهم موضع تعجب و إنما العجب من إعمال أمرهم كيف و وجوب الرسالة إذا كان للخلق فيها مصلحة أمر قد اقتضته الحكمة و دل عليه العقل « و لتتقوا » أي و لتتقوا الشرك و المعاصي « و لعلكم ترحمون » أي و لكي ترحموا و قال الحسن و لتتقوه رجاء أن يرحمكم « فكذبوه » أي فكذبوا نوحا فيما دعاهم إليه « فأنجيناه و الذين معه في الفلك » أي فخلصناه و الذين كانوا معه في السفينة و هم المؤمنون من عذاب الغرق « و أغرقنا الذين كذبوا ب آياتنا » أي و أهلكنا الذين
مجمع البيان ج : 4 ص : 670
كذبوا بدلائلنا بالماء « إنهم كانوا قوما عمين » عن الحق أي ذاهبين عنه جاهلين به يقال رجل عم إذا كان أعمى القلب و رجل أعمى في البصر قال زهير :
و لكنني عن علم ما في غد عمي .

[قصة نوح (عليه السلام)


[ قد ذكرنا نسبه و كان من قصته ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه بإسناده في كتاب النبوة مرفوعا إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال لما بعث الله عز و جل نوحا دعا قومه علانية فلما سمع عقب هبة الله بن آدم من نوح تصديق ما في أيديهم من العلم و عرفوا أن العلم الذي في أيديهم هو العلم الذي جاء به نوح صدقوه و سلموا له فأما ولد قابيل فإنهم كذبوه و قالوا إن الجن كانوا قبلنا فبعث الله إليهم ملكا فلو أراد أن يبعث إلينا لبعث إلينا ملكا من الملائكة حنان بن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال آمن مع نوح من قومه ثمانية نفر و في حديث وهب بن منبه أن نوحا (عليه السلام) كان أول نبي نبأه الله عز و جل بعد إدريس و كان إلى الأدمة ما هو دقيق الوجه في رأسه طول عظيم العينين دقيق الساقين طويلا جسيما دعا قومه إلى الله حتى انقرضت ثلاثة قرون منهم كل قرن ثلثمائة سنة يدعوهم سرا و جهرا فلا يزدادون إلا طغيانا و لا يأتي منهم قرن إلا كان أعتى على الله من الذين قبلهم و كان الرجل منهم يأتي بابنه و هو صغير فيقيمه على رأس نوح فيقول يا بني إن بقيت بعدي فلا تطيعن هذا المجنون و كانوا يثورون إلى نوح فيضربونه حتى يسيل مسامعه دما و حتى لا يعقل شيئا مما يصنع به فيحمل فيرمي به في بيت أو على باب داره مغشيا عليه فأوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من آمن فعندها أقبل على الدعاء عليهم و لم يكن دعا عليهم قبل ذلك فقال رب لا تذر على الأرض إلى آخر السورة فأعقم الله تعالى أصلاب الرجال و أرحام النساء و لبثوا أربعين سنة لا يولد لهم ولد و قحطوا في تلك الأربعين سنة حتى هلكت أموالهم و أصابهم الجهد و البلاء ثم قال لهم نوح استغفروا ربكم إنه كان غفارا الآيات فأعذر إليهم و أنذر فلم يزدادوا إلا كفرا فلما يئس منهم أقصر عن كلامهم و دعائهم فلم يؤمنوا و قالوا لا تذرن آلهتكم و لا تذرن ودا و لا سواعا الآية يعنون آلهتهم حتى غرقهم الله و آلهتهم التي كانوا يعبدونها فلما كان بعد خروج نوح من السفينة و عبد الناس الأصنام سموا أصنامهم بأسماء أصنام قوم نوح فاتخذ أهل اليمن يغوث و يعوق و أهل دومة الجندل صنما سموه ودا و اتخذت حمير صنما سمته نسرا و هذيل صنما سموه سواعا فلم يزالوا يعبدونها حتى جاء الإسلام و سنذكر قصة السفينة و الغرق في سورة هود إن
مجمع البيان ج : 4 ص : 671
شاء الله تعالى و روى الشيخ أبو جعفر بن بابويه عن علي بن أحمد بن موسى قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال حدثنا سهل بن زياد الآدمي قال حدثنا عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال سمعت علي بن محمد (عليهماالسلام) يقول عاش نوح (عليه السلام) ألفين و خمسمائة سنة و كان يوما في السفينة نائما فهبت ريح فكشفت عورته فضحك حام و يافث و زجرهما سام و نهاهم عن الضحك و كان كلما غطى سام ما يكشفه الريح كشفه حام و يافث فانتبه نوح فرآهم يضحكون فقال ما هذا فأخبره سام بما كان فرفع نوح يده إلى السماء يدعو فقال اللهم غير ماء صلب حام حتى لا يولد له إلا السودان اللهم غير ماء صلب يافث فغير الله ماء صلبيهما فجميع السودان من صلب حام حيث كانوا و جميع الترك و السقلاب و يأجوج و مأجوج و الصين من يافث و جميع البيض سواهم من سام و قال نوح لحام و يافث جعل الله ذريتكما خولا لذرية سام إلى يوم القيامة لأنه بر بي و عققتماني فلا زالت سمة عقوقكما لي في ذريتكما ظاهرة و سمة البر بي في ذرية سام ظاهرة ما بقيت الدنيا قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه القمي رحمه الله ذكر يافث في هذا الخبر غريب لم أروه إلا من هذا الطريق و جميع الأخبار التي رويتها في هذا المعنى فيها ذكر حام وحده و أنه ضحك لما انكشفت عورة أبيه و أن ساما و يافث كانا في ناحية فبلغهما ما صنع فأقبلا و معهما ثوب و هما معرضان و ألقيا عليه الثوب و هو نائم فلما استيقظ أوحى الله عز و جل إليه الذي صنع حام فلعن حاما و دعا عليه و روى إبراهيم بن هاشم عن علي بن الحكم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال عاش نوح ألفي سنة و خمسمائة سنة منها ثمانمائة و خمسين قبل أن يبعث و ألف سنة إلا خمسين عاما و هو في قومه يدعوهم و مائتي عام في عمل السفينة و خمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة و نضب الماء فمصر الأمصار و أسكن ولده البلدان ثم إن ملك الموت جاءه و هو في الشمس فقال السلام عليك يا ملك الموت فقال جئت لأقبض روحك فقال له تدعني أتحول من الشمس إلى الظل فقال له نعم قال فتحول نوح ثم قال له يا ملك الموت كان ما مر بي من الدنيا مثل تحولي من الشمس إلى الظل فامض لما أمرت به قال فقبض روحه (عليه السلام) ) .

مجمع البيان ج : 4 ص : 672
* وَ إِلى عَاد أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكم مِّنْ إِلَه غَيرُهُ أَ فَلا تَتَّقُونَ(65) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنرَاك فى سفَاهَة وَ إِنَّا لَنَظنُّك مِنَ الْكَذِبِينَ(66) قَالَ يَقَوْمِ لَيْس بى سفَاهَةٌ وَ لَكِنى رَسولٌ مِّن رَّب الْعَلَمِينَ(67) أُبَلِّغُكمْ رِسلَتِ رَبى وَ أَنَا لَكمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ(68) أَ وَ عجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلى رَجُل مِّنكُمْ لِيُنذِرَكمْ وَ اذْكرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوح وَ زَادَكُمْ فى الْخَلْقِ بَصطةً فَاذْكرُوا ءَالاءَ اللَّهِ لَعَلَّكمْ تُفْلِحُونَ(69) قَالُوا أَ جِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَ نَذَرَ مَا كانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنت مِنَ الصدِقِينَ(70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَ غَضبٌ أَ تُجَدِلُونَنى فى أَسمَاء سمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَ ءَابَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سلْطن فَانتَظِرُوا إِنى مَعَكم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ(71) فَأَنجَيْنَهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ حْمَة مَة مِّنَّا وَ قَطعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كذَّبُوا بِئَايَتِنَا وَ مَا كانُوا مُؤْمِنِينَ(72)

اللغة

السفاهة خفة الحلم و ثوب سفيه إذا كان خفيفا قال مؤرج السفاهة الجنون بلغة حمير و الفرق بين العجب و العجب أن العجب بضم العين عقد النفس على فضيلة لها ينبغي أن يعجب منها و ليس كذلك العجب بفتح العين و الجيم لأنه قد يكون حسنا و في المثل لا خير فيمن لا يتعجب من العجب و أرذل منه المتعجب من غير عجب و خلفاء جمع خليفة و هو الكائن بدل غيره ليقوم مقامه في تدبيره و هذا الجمع على التذكير لا على اللفظ مثل ظريف و ظرفاء و جائز أن يجمع على خلائف على اللفظ مثل ظريفة و ظرائف و الآلاء النعم و في واحدها أربع لغات إلى مثل معي مثل قفا و ألى مثل رمى و إلى مثل حسي قال الأعشى :
 

<<        الفهرس        >>