جستجو در تأليفات معظم له
 

قرآن، حديث، دعا
زندگينامه
کتابخانه
احکام و فتاوا
دروس
اخبار
ديدارها و ملاقات ها
پيامها
فعاليتهاى فرهنگى
کتابخانه تخصصى فقهى
نگارخانه
پايگاه هاى مرتبط
مناسبتها
معرفى و اخبار دفاتر
صفحه اصلي  

كتابخانه تفسیر مدخل التفسير
صفحات بعد
صفحات قبل
(الصفحة 13)

حقيقة المعجزة

بسم الله الرحمن الرحيم

وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَل إِلاَّ جِئْنَـكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيرًا 

(سورة الفرقان 25:33)

المعجزة اصطلاحاً وشروطها

المعجزة بحسب الاصطلاح هو ما يأتي به المدّعي لمنصب من المناصب الإلهيّة ; من الاُمور الخارقة للعادة النوعيّة ، والنواميس الطبيعيّة ، والخارجة عن حدود القدرة البشريّة ، والقواعد والقوانين العلميّة وإن كانت دقيقة نظريّة ، والرياضات العلميّة وإن كانت نتيجة مؤثِّرة ، بشرط أن يكون سالماً عن المعارضة عقيب التحدّي به ، ففي الحقيقة تعتبر في تحقّق الإعجاز الاصطلاحي الاُمور التالية:

الأوّل : أن يكون الإتيان بذلك الأمر المعجز مقروناً بالدعوى ، بحيث كانت الدعوى باعثةً على الإتيان به ليكون دليلاً على صدقها ، وحجّةً على ثبوتها .

الثاني: أن تكون الدعوى عبارة عن منصب من المناصب الإلهيّة ، كالنبوّة والسفارة ; لأنّه حيث لا يمكن تصديقها من طريق السماع عن الإله ، لاستحالة ذلك ، فلابدّ من المعجزة الدالّة على صدق المدّعي ، وثبوت المنصب الإلهي ، كما يأتي بيان ذلك في وجه دلالة المعجزة على صدق الآتي بها . وأمّا لو لم تكن الدعوى منصباً إلهيّاً ، بل كانت أمراً آخر كالتخصّص في علم مخصوص مثلاً ، فالدليل الذي يأتي به مدّعيه لإثبات صدقه لا يسمّى معجزة ; لعدم توقّف إثباته على الإتيان

(الصفحة 14)

بأمر خارق للعادة ، بل يمكن التوسّل بدليل آخر كالامتحان ونحوه .

ففي الحقيقة ، المعجزة عبارة عن الدليل الخارق للعادة ، الذي ينحصر طريق إثبات الدعوى به، ولا سبيل لإثباتها غيره .

الثالث :أن تكون الدعوى في نفسها ممّا يجري فيه احتمال الصدق والكذب ، وإلاّ فلا تصل النوبة إلى المعجزة ، بل لا يتحقّق الإعجاز بوجه ; ضرورة أنّه مع العلم بصدق الدعوى لا حاجة إلى إثباتها ، ومع العلم بكذبها لا معنى لدلالتها على صدق مدّعيها ، وإن كان البشر عاجزاً عن الإتيان بمثلها فرضاً . وهذا لا فرق فيه بين أن يكون الكذب معلوماً من طريق العقل ، أو من سبيل النقل ، فإذا ادّعى أحد أنّه هو الله الخالق الواجب الوجود ، وأتى بما يعجز عنه البشر فرضاً ، فذلك لا يسمّى معجزةً ; لأنّ الدعوى في نفسها باطلة بحكم العقل ; للبراهين القطعيّة العقليّة الدالّة على استحالة ذلك .

كما أنّه إذا ادّعى أحد النبوّة بعد خاتم النبيّين (صلى الله عليه وآله) وأتى ـ فرضاً ـ بما يخرق نواميس الطبيعة والقوانين الجارية ، فذلك لا يسمّى معجزة بالإضافة إلى المسلم الذي لا يرتاب في صحّة اعتقاده ونبوّة نبيّه (صلى الله عليه وآله)  ; لأنّه كما ثبتت نبوّته كذلك ثبتت خاتميّته بالأدلّة القاطعة النقليّة ، فالمعتبر في تحقّق المعجزة اصطلاحاً كون الدعوى محتملةً لكلّ من الصدق والكذب .

ومن ذلك يظهر أ نّ المعجزات المتعدّدة لمدّع واحد إنّما يكون اتّصافها بالإعجاز بلحاظ الأفراد المتعدّدة ، فكلّ معجزة إنّما يكون إعجازها بالإضافة إلى من كانت تلك المعجزة دليلاً عنده على صدق المدّعى ، وإلاّ فلو كان صدق دعواه عنده ثابتاً بالمعجزة السابقة بحيث لا يكون هذا الشخص في ريب وشكّ أصلاً ، فلا تكون المعجزة اللاّحقة معجزةً بالإضافة إليه بوجه ، فاتّصاف اللاّحقة بهذا الوصف إنّما هو لأجل تأثيرها في هداية غيره ، وخروج ذلك الغير من الشكّ إلى اليقين لأجلها ،

(الصفحة 15)

وبعبارة اُخرى : إنّما يكون اتّصافها بالإعجاز عند الغير لا عند هذا الشخص .

الرابع: كون ذلك الأمر خارقاً للعادة الطبيعيّة ، وخارجاً عن حدود القدرة البشريّة ، وفيه إشارة إلى أنّ المعجزة تستحيل أن تكون خارقةً للقواعد العقليّة ، وهو كذلك; ضرورة أنّ القواعد العقليّة غير قابلة للانخرام، كيف ؟ وإلاّ لا يحصل لنا القطع بشيء من النتائج ، ولا بحقيقة من الحقائق ; فإنّ حصول القطع من القياس المركّب من الصغرى والكبرى ـ بما هو نتيجته ـ إنّما يتفرّع على ثبوت القاعدة العقليّة الراجعة إلى امتناع اجتماع النقيضين ; ضرورة أنّ حصول العلم بحدوث العالم مثلاً من القياس المركّب من: «العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث» إنّما يتوقّف على استحالة اتّصاف العالم بوجود الحدوث وعدمه معاً ; ضرورة أنّه بدونها لا يحصل القطع بالحدوث في مقابل العدم ، كما هو غير خفيّ .

وكذلك العلم بوجود البارئ ـ جلّت عظمته ـ من طريق البراهين الساطعة القاطعة الدالّة على وجوده ، إنّما يتوقّف على استحالة كون شيء متّصفاً بالوجود والعدم معاً في آن واحد ، وامتناع عروض كلا الأمرين في زمان فارد ، بداهة أنّه بدونها لا مجال لحصول القطع بالوجود في مقابل العدم ، كما هو ظاهر .

فالقواعد العقليّة خصوصاً قاعدة امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، التي إليها ترجع سائر القواعد ، وعليها يبتني جميع العلوم والمعارف ، بعيدة عن عالم الانخراق والانخرام بمراحل لا يمكن طيّها أصلاً .

ويدلّ على ما ذكرنا من استحالة كون المعجزة خارقةً للقواعد العقليّة في خصوص المقام: أنّ الغرض من الإتيان بالمعجزة إثبات دعوى المدّعي واستكشاف صدقه في ثبوت المنصب الإلهي ، فإذا فرضنا إمكان تصرّف المعجزة في القواعد العقليّة وانخرامها بها ، لا يحصل الغرض المقصود منها ; فإنّ دلالتها على صدق مدّعي النبوّة مثلاً إنّما تتمّ على تقدير استحالة اتّصاف شخص واحد في زمان

(الصفحة 16)

واحد بالنبوّة وجوداً وعدماً ، وإلاّ فلا مانع من ثبوت هذا الاتّصاف ، وتحقّق كلا الأمرين ، فلا يترتّب عليها الغاية من الإتيان بها ، والغرض المقصود في البين ، كما لا يخفى .

وعلى ما ذكرنا فالمعجزة ما يكون خارقاً للعادة الطبيعيّة ، التي يكون البشر عاجزاً عن التخلّف عنها ، إلاّ أن يكون مرتبطاً بمنع القدرة المطلقة المتعلّقة بكلّ شيء .

ومنه يظهر الفرق بين السحر وبين المعجزة ، وكذا بينها وبين ما يتحقّق من المرتاضين ، الذين حصلت لهم القدرة لأجل الرياضة ـ على اختلاف أنواعها وتشعّب صورها ـ على الإتيان بما يعجز عنه من لم تحصل له هذه المقدّمات ; فإنّ ابتناء مثل ذلك على قواعد علميّة أو أعمال رياضيّة توجب خروجه عن دائرة المعجزة ، التي ليس لها ظهير إلاّ القدرة الكاملة التامّة الإلهيّة ، وهكذا الإبداعات الصناعيّة ، والاختراعات المتنوّعة ، والكشفيّات المتعدّدة من الطبّية وغيرها من الحوادث المختلفة ، العاجزة عنها الطبيعة البشريّة ، قبل تحصيل القواعد العلميّة التي تترتّب عليها هذه النتائج ، وإن كان الترتّب أمراً خفيّاً يحتاج إلى الدقّة والاستنباط; فإنّ جميع ذلك ليس ممّا يعجز عنه البشر ، ولا خارقاً لناموس الطبيعة أصلاً .

نعم ، يبقى الكلام بعد وضوح الفرق بين المعجزة وغيرها بحسب الواقع ومقام الثبوت ; فإنّ الاُولى خارجة عن القدرة البشريّة بشؤونها المختلفة ، والثانية تتوقّف على مبادئ ومقدّمات يقدر على الإتيان بها كلّ من يحصل له العلم بها والاطّلاع عليها ـ في تشخيص المعجزة عن غيرها ـ بحسب مقام الإثبات ، وفي الحقيقة في طريق تعيين المعجزة عمّا يشابهها صورة ، وأنّه هل هنا أمارة مميّزة وعلامة مشخّصة أم لا؟

والظاهر أنّ الأمارة التي يمكن أن تكون معيّنة عبارة عن أنّ المعجزة لا تكون

(الصفحة 17)

محدودة من جهة الزمان والمكان ، وكذا من سائر الجهات كالآلات ونحوها ، حيث إنّ أصلها القدرة الأزليّة العامّة غير المحدودة بشيء ، وهذا بخلاف مثل السّحر والأعمال التي هي نتائج الرياضات ; فإنّها لا محالة محدودة من جهة من الجهات ولا يمكن التعدّي عن تلك الجهة ، فالرياضة التي نتيجتها التصرّف في المتحرّك وإمكانه مثلاً لا يمكن أن تتحقّق من غير طريق تلك الآلة ، وهكذا ، فالمحدوديّة علامة عدم الإعجاز .

مضافاً إلى أنّ الأغراض الباعثة على الإتيان مختلفة ، بداهة أنّ النبيّ الواقعي لا يكون له غرض إلاّ ما يتعلّق بالاُمور المعنويّة ، والجهات النفسانيّة ، والسير بالناس في المسير الكمالي المتكفّل لسعادتهم .

وأمّا النبيّ الكاذب فلا تكون استفادته من المعجزة إلاّ الجهات الراجعة إلى شخصه من الاُمور المادّية ، كالشهرة والجاه والمال وأشباهها ، فكيفيّة الاستفادة من المعجزة من علائم كونها معجزة، أم لا ، كما هو واضح .

الخامس: أن يكون الإتيان بذلك الأمر مقروناً بالتحدّي الراجع إلى دعوة الناس إلى الإتيان بمثله إن استطاعوا ، ليعلم بذلك:

أوّلاً: غرض المدّعي الآتي بالمعجزة ، وأنّ الغاية المقصودة من الإتيان بها تعجيز الناس، وإثبات عجزهم من طريق لايمكنهم التخلّص عنه،ولاالإشكال عليه.

وثانياً: أنّ عدم الإتيان بمثله لم يكن لأجل عدم تحدّيهم للإتيان ، وعدم ورودهم في هذا الوادي ، وإلاّ فكان من الممكن الإتيان بمثله ; ضرورة أنّ التحدّي الراجع إلى تعجيز الناس الذي يترتّب عليه أحكام وآثار عظيمة من لزوم الإطاعة للمدّعي ، وتصديق ما يدّعيه ، ويأتي به من القوانين والحدود ، والتسليم في مقابلها يوجب ـ بحسب الطبع البشري والجبلّة الإنسانيّة ـ تحريكهم إلى الإتيان بمثله لئلاّ يسجّل عجزهم ويثبت تصوّرهم .