(الصفحة 343)
لا معنى لتحقّق النكاح المؤجّل مع عدم اعتبار ذكر الأجل بخلاف غيره .
الجهة الثانية : أنّه لو لم يذكر الأجل في النكاح المنقطع إمّا عمداً أو نسياناً بطل متعة وانعقد دائماً . قال المحقّق في الشرائع : وأمّا الأجل فهو شرط في عقد المتعة ، ولو لم يذكره انعقد دائماً(1) . وفي الجواهر في المشهور(2) نقلاً وتحصيلاً ، بل لعلّه مجمع عليه(3) .
وعمدة الدليل على ذلك ـ مع كونه مخالفاً للقاعدة; لأنّ ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد ، والعقود تابعة للقصود ـ الروايات ، مثل :
رواية عبدالله بن بكير قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) في حديث : إن سمّى الأجل فهو متعة ، وإن لم يسمّ الأجل فهو نكاح بات(4) .
ورواية أبان بن تغلب في حديث صيغة المتعة ، أنّه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) : فانّي أستحيي أن أذكر شرط الأيّام ، قال : هو أضرّ عليك ، قلت : وكيف؟ قال : لأنّك إن لم تشرط كان تزويج مقام ولزمتك النفقة في العدّة وكانت وارثاً ، ولم تقدر على أن تطلّقها إلاّ طلاق السنّة(5) .
ورواية هشام بن سالم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أتزوّج المرأة متعة مرّة مبهمة؟ قال : فقال : ذاك أشدّ عليك ترثها وترثك ، ولا يجوز لك أن تطلّقها إلاّ على
- (1) شرائع الإسلام : 2/305 .
- (2) الكافي في الفقه : 298 ، النهاية : 489 ، المهذّب : 2/241 ، الروضة البهية : 5/286 ، مسالك الأفهام : 7/447 ـ 448 .
- (3) جواهر الكلام : 30/172 .
- (4) الكافي : 5/456 ح1 ، التهذيب : 7/262 ح1134 ، الوسائل : 21/47 ، أبواب المتعة ب20 ح1 .
- (5) الكافي : 5/455 ح5 ، التهذيب : 7/265 ح 1145 ،الإستبصار : 3/150 ح 551 ، الوسائل : 21/47 ، أبواب المتعة ب20 ح2 .
(الصفحة 344)
طهر وشاهدين ، قلت : أصلحك الله فكيف أتزوّجها؟ قال : أيّاماً معدودة بشيء مسمّى مقدار ما تراضيتم به ، فإذا مضت أيّامها كان طلاقها في شرطها ، ولا نفقة ولا عدّة لها عليك ، الحديث(1) . فإنّه إذا كان الحكم في المرّة المبهمة كذلك ففي صورة عدم ذكر الأجل مطلقاً بطريق أولى .
هذا ، ولكن ربّما قيل كما عن المسالك : بأنّ الأقوى القول بالبطلان مطلقاً(2) نظراً إلى اقتضاء القاعدة ذلك ، وإلى مضمرة سماعة قال : سألته عن رجل أدخل جارية يتمتّع بها ثمّ نسي أن يشترط حتّى واقعها يجب عليه حدّ الزاني؟ قال : لا ، ولكن يتمتّع بها بعد ويستغفر الله ممّا أتى(3) بناء على إرادة نسيان الأجل من الاشتراط فيه ، وهو محلّ تأمّل .
ولكنّ الروايات الدالّة على الأوّل ـ مضافاً إلى كون بعضها حجّة في نفسها; لكونها من قسم الموثّق بل الصحيح ، كالرواية الاُولى ـ تكون منجبرة بالشهرة ، ومجرّد المخالفة للقواعد لا يقضي بعدم الاعتبار بعد كون حجيّة خبر الواحد يُراد به الخبر المخالف للقاعدة ، ضرورة أنّ الخبر الموافق لها لا حاجة إليه بعد كون مفاده مقتضى القاعدة كما لايخفى ، خصوصاً بعد إرادة طبيعة النكاح التي هي بمنزلة الجنس في المقام ، وبعد عدم اعتبار قصد الدوام في النكاح الدائم .
ثمّ إنّه حكى في المسالك عن ابن إدريس التفصيل : بأنّه إن كان الإيجاب بلفظ التزويج أو النكاح إنقلب دائماً ، وإن كان بلفظ التمتّع بطل العقد(4); لأنّ اللفظين
- (1) التهذيب : 7/267 ح1151 ، الإستبصار : 3/152 ح552 ، الوسائل : 21/48 ، أبواب المتعة ب20 ح3 .
- (2) مسالك الأفهام : 7/448 .
- (3) الكافي : 5/466 ح3 ، الوسائل : 21/74 ، أبواب المتعة ب39 ح1 .
- (4) السرائر : 2/550 و 620 .
(الصفحة 345)
الأوّلين صالحان لهما بخلاف الثالث ، فانّه مختصّ بالمتعة(1) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ صلاحيّة لفظ المتعة للنكاح الدائم أيضاً ـ أنّك قد عرفت عدم اعتبار قصد الدوام في النكاح الدائم ، واعتبار ذكر الأجل في المتعة ، وهما مشتركان بين الألفاظ الثلاثة .
وهنا قول رابع : وهو التفصيل بين صورة تعمّد ترك ذكر الأجل وصورة الجهل والنسيان ، فإن كان الأوّل انقلب دائماً وإلاّ بطل ، بدعوى ظهور تعمّد الترك في إرادة الدوام ، بخلاف الأخيرين ، ويرد عليه أنّه خارج عن محلّ البحث والكلام ، فانّه فيما إذا كان المراد هو الانقطاع واللفظ دالاًّ على العدم ، كما لايخفى .
الجهة الثالثة : في أنّ الأجل المذكور في المتعة لابدّ وأن يكون معلوماً مقدّراً بالزمان محروساً من الزيادة والنقصان ، وتقديره إليهما طال أو قصر كالسنة والشهر واليوم ، وقد حكي عن المسالك(2) وكشف اللثام(3) وغيرهما(4) أنّه في جانب الكثرة يجوز الجعل إلى وقت طويل يعلم بعدم بقائهما إليه ، كمائة سنة مثلاً للإطلاق وعدم مانعيّة الموت ، وفي جانب القلّة إلى حدّ اللحظة المضبوطة كالدقيقة مثلاً ممّا لا تسع للجماع ونحوه ، للإطلاق المزبور وعدم انحصار فائدة النكاح في الجماع ، وإن كان هو معظم المقصود منه بل من فوائده تحريم المصاهرة ونحوها .
وناقش صاحب الجواهر(قدس سره) في الأوّل : بأنّ المنساق من النصوص الواردة في المشروعية وفي اعتبار الأجل فيها غير ذلك ، خصوصاً بعد عدم جواز مثله في
- (1) مسالك الأفهام : 7/448 .
- (2) مسالك الافهام : 7/449 .
- (3) كشف اللثام : 7/279 ـ 280 .
- (4) جامع المقاصد : 13/26 ، الروضة البهية : 5/285 ، الحدائق الناضرة : 24/138 .
(الصفحة 346)
الإجارة المشبّه بها المتعة ، وفي الثاني : بالشك في تناول الأدلّة لمثل ذلك ممّا لا يسع تحقّق ماهية الاستمتاع ، والعقد للصغير وعلى الصغيرة بعد فرض الأجل القابل لتحقّق الاستمتاع كاف في الصحّة ، وإن لم يكونا قابلين لوقوع ذلك(1) .
وأنت خبير بأنّه بعد التوجّه إلى أنّه ربّما يكون الغرض من النكاح المنقطع عدم ترتّب أحكام النكاح الدائم ، المختصّة به كالنفقة والتوارث وغيرهما ، وبعد التوجّه إلى صحّة نكاح العنّين الذي لا يمكن أن يتحقّق منه الدخول ، وإلى ثبوت الإطلاق للأدلّة المتقدّمة لا وجه للمناقشتين المزبورتين ، فالحقّ مع المسالك وكاشف اللثام ومثلهما ، كما لايخفى .
بقي الكلام في هذه الجهة في أمرين :
الأول : أنّه هل يجوز أن تكون المدّة المعيّنة المضبوطة منفصلة عن العقد أم لابدّ أن تكون متّصلة بالعقد؟ صريح الفاضل(2) وجماعة(3) ممّن تأخّر عنه الجواز ، بل نسبه غير واحد إلى ظاهر الأكثر(4) . ولكنّه استظهر صاحب الجواهر من الأدلّة الاتّصال ، نظراً إلى ظهور قوله تعالى :
{ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ}(5) . إلى أجل وقوله (عليه السلام)في الروايات المتقدّمة : «إلى أجل»(6) وشبهه في الاتّصال(7) . ولا وجه لدعوى ثبوت الإطلاق أو العموم لتلك الأدلّة .
- (1) جواهر الكلام : 30/175 ـ 176 .
- (2) تحرير الاحكام : 2/26 .
- (3) جامع المقاصد : 13/28، مسالك الأفهام: 7/451 ـ 452، كشف اللثام: 7/281، رياض المسائل: 7/17 ـ 18.
- (4) كشف اللثام : 7/281 ، الحدائق الناضرة : 24/148 ، رياض المسائل : 7/18 .
- (5) سورة النساء : 4/24 .
- (6) في ص : 332 .
- (7) جواهر الكلام : 30/178 ـ 179 .
(الصفحة 347)
نعم يمكن أن يتمسّك للجواز بخبر بكار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : الرجل يلقى المرأة فيقول لها : زوّجيني نفسك شهراً ، ولا يسمّي الشهر بعينه ، ثم يمضي فيلقاها بعد سنين؟ فقال له : شهره إن كان سمّـاه ، فإن لم يكن سمّـاه فلا سبيل له عليها(1) . قال صاحب الوسائل بعد نقل الرواية أقول : الظاهر أنّ مراده (عليه السلام) إن كان سمّى الشهر وعيّنه لزم ، وإلاّ كان متصلاً بالعقد ، ففي الصورة المفروضة تكون قد انقضت المدّة ، وقد فهم منه الشيخ بطلان العقد مع عدم التعيين . وقال صاحب الجواهر(قدس سره) : إنّ الخبر المزبور فاقد لشرط الحجّية(2) .
أقول : مع عدم ثبوت الجابر لعدم ثبوت الشهرة الجابرة ـ كما أنّ المنع عن ذلك لأجل اقتضاء الانفصال ـ عدم التنجيز المعتبر في العقد ممنوع ، ضرورة عدم اشتراط العقد بذلك ، بل يكون الاستمتاع مشروطاً بإتيان الوقت المضروب ، كما يستأجر الرجل للحجّ من عام قابل .
هذا ، ولكنّه يخطر بالبال أنّه لا يجوز الانفصال لاقتضاء إطلاقه جواز الانفصال عن العقد ولو بسنة أو سنتين أو سنين متعدّدة ، وفي هذه الفاصلة التي ربّما تكون طويلة جدّاً ربما لا يريد الزوج نكاحها ولا يجوز لغير الزوج; لأنّه ربما ينجرّ إلى الحمل أو العدّة ولا تكون كالمعتدة ولو بائنة ، مضافاً إلى احتمال انصراف الإطلاقات إلى المدّة المتّصلة ، وإلى أنّ أصل مشروعيته ربما لا يجتمع مع ذلك ، وإلى لزوم الاختلاف نوعاً ، مع أنّ عبارات الأكثر لا تكون ظاهرة في الجواز ، وإن نسب إلى ظاهر الأكثر .
- (1) الكافي : 5/466 ح4 ، التهذيب : 7/267 ح 1150 ، الفقيه : 3/297 ح 1410 ، الوسائل : 21/72 ، أبواب المتعة ب35 ح1 .
- (2) جواهر الكلام : 30/179 .